إلا استعمال ثم ، وينكرن استعمال الواو فنحن لا نقول لهم إلا ثم (١)) كان المطوف يشاطر الحاجّ أخطار الطريق.
وبمجرد وصول الحاج إلى البلد الحرام ، يأخذ المطوف بيده إلى الحرم ، فيطوف به سبعا حول البيت العتيق ، ثم يسعى به سبعا بين الصفا والمروة ، يهرول فيه بين الميلين الأخضرين وفاقا للسنة ، ويعلّمه جميع أصول الحج ، ويلقنه جميع الكلمات والألفاظ التي ينبغي أن تقال في ذلك المطاف الكريم ، ويتلو أمامه الأدعية التي يبتهل بها عند مقام إبراهيم ، وبين زمزم والحطيم.
ولما كان أربعة أخماس الحاج هم من الهنود ، والجاويين ، والترك ، والأرناؤوط ، والبشناق ، والطاغستان ، والفرس ، والصينيين ، والزنج ـ كان على المطوّف في تلقين هؤلاء من أصناف الأمم الأعجمية صنوف الأدعية والابتهالات والجمل العربية الفصيحة التي تتشقق حلوقهم بقافاتها وحاآتها ، وتتلبّك ألسنتهم بضاداتها وثاآتها ، ما لا يقل عن تعب المعلمين للصبيان ، وما لا ينبغي أن يستخفّ بشأنه ولا يستهان ، وكم مرة يضطر أن يعيد له الكلمة أو الجملة ، وهو يقولها بعكسها ، ويلفظها بنكسها ، ويقلبها عن معناها ، ويجعلها عن المراد أبعد من الأرض عن سماها ، وربما أعادها له المطوّف ثلاثين مرة ، وهو لا يقيمها ، ولا يفتأ يغلط فيها (٢).
__________________
(١) هذا الأدب مأثور ، والمراد منه الفرق في المرتبة بين ما يسند إلى الربّ وما يسند إلى عباده ، وهو ما يدل عليه العطف بثم من التراخي ، وأما العطف بالواو فهو لمجرد الجمع ، فكأنّ ما يسند إلى الربّ وما يسند إلى العبد في مرتبة واحدة. مصححه
(٢) أكثر هذه الأدعية والأذكار التي يلقنونها للحاج غير واجب ولا مسنون ، والذي ينبغي لهم هو أن يعلّموا الحاج الأذكار المأثورة ، كالتلبية ، وبعض الأدعية ، وهي قليلة ، وأن يدعو الله فيما عداها بلغته ، سائلا إياه ما يشعر بحاجته إليه من