والتنقّل في مزارعها وقراها ، والهبوط في أخيافها وأوديتها ، فينال الشفاء والعافية من مرضه ، ومن مرض سابق له ، بما شمّ من هواء نقيّ ، وشرب من ماء رويّ ، وجنى من ثمر شهيّ ، ويشاهد ما ثمّ من قابلية للعمران ، لا يكاد يفضلها مكان ، في عصر عمّ الحجاز فيه العدل والأمان ، وأن يصف ذلك بقلمه السيّال ، وبيانه السّلسال ، الذي يجري فتكبو في غاياته جياد الفرسان ، ومن ذا الذي يطمع في لحاق أمير البيان في مثل هذا الميدان ؛ ميدان التاريخ وعلم الاجتماع والعمران ، وما فيه من عبر السياسة في هذا الزمان ، لا سيّما سياسة الأمة العربية والإسلام؟!
أحمد الله تعالى أن وفّق أخي شكيبا لأداء المناسك ، وشهود ما قرنه بها القرآن من المنافع ، وإنّما هي منافع أمته ، لا منافع شخصه وأسرته ، وأن يسّر له السير في تلك الأرض ، لفقه ما أرشده إليه عقله ، وهدي له قلبّه ، فيعرف بنفسه جبالها ووهادها ، وأغوارها وأنجادها ، وسهوبها وصفاصفها (١) ، ومجاهلها ومعارفها ، ثم يبعث ما دفن في بطون الكتب من تاريخ عمرانها ، وكنوز معادنها ، مع بيان أماكنها ، ووسائل استخراجها من مكامنها ، ويجلّي للعقول ما فيها من العبر البالغة ، ويقرن بها وصف حالتها الحاضرة ، ويستنبط منهما ما يجب على الأمة العربية وحكوماتها ، والشعوب الإسلامية وزعمائها ، من توجيه أصدق ما أوتوا من إرادة وعزيمة ، وأفضل ما أعطوا من علم وثروة ، في سبيل عمران الحجاز ، وصيانته من خطر الاستعمار ، وأنّ ذلك لا يتمّ لهم إلا بعمران جزيرة العرب كلّها ، لأنّ انتقاصها من أطرافها يفضي إلى الإحاطة بسائر أكنافها.
تلك الغاية البعيدة المرمى هي التي وضع لها الأمير رحلته الحجازية التي سمّاها «الارتسامات اللطاف في خاطر الحاجّ إلى أقدس مطاف» وقد أقام الدلائل على إمكان ما دعا إليه وسهولته ؛ من قابلية في المكان ، ومواتاة في الزمان ، وأشار إلى ما يعترض به على ذلك من
__________________
(١) [سهولها].