الأوسع ، والشفاء الأسرع ، فإذا استطبّ العليل لديه ، ورأى صمته وقلقلة شفتيه ، قال : يظهر أنّ المسألة مقضية ، وزاده الخوف مرضا ، وقد فات الأخ القباني أنّ الجعجعة هي نصف الطب ، وأنّ المريض كلّما سمع ألفاظا لا يفهمها ، وكلمات فنية لم يسمعها ، ازدادت ثقته بالطبيب ، وقد يحصل على الشفاء بدون دواء ، لا سيّما إذا كان الطبيب يعرف أن يرصف تلك الألفاظ ، ويسير بها بسرعة كلية ، فلا يبقى شبهة عند عليله بأنّه أحذق الأطباء.
ثم إننا بعد أن رقدنا هزيعا من الليل قلنا للسائق : تقدّم بنا نحو الزيمة ، فسرنا إليها ، ولم يمض نصف ساعة حتى بلغناها ، وإذا بالزيمة عين ماء ثرّة ، لها خرير يسمع من بعيد ، فلما سمعت خرير الماء أخذ مني الطرب أن نفضت الضعف عني ، ونزلت من السيارة ، وذهبت إلى العين أتمتّع برؤية الماء ، بعد أن سمعت صوته الطرب ، ثم جاءنا شيخ قرية الزيمة يدعونا إلى فكّ الريق ـ لقمة الصباح ـ في بيته ، فذهب الإخوان ، ولم أستطع المشي لما كان النهك قد بلغ مني ، فجاءوا إلي بالشاي إلى السيارة ، ولم أنشط إلى الطعام كما نشطت إلى منظر الماء.
ومن ثم صعدنا بالسيارة في واد فيه كثير من شجر الطلح ، وسرنا ساعة من الزمن ، فبلغنا أعلى الوادي ، وهو المسمى بالسّيل ، وعنده مقهى بسيط جدا ، يقوم عليه بدويّ من عتيبة ، إلا أنّه ذو قيمة في تلك البرية ، والوادي هناك قريب الماء ، لا يحفر فيه الإنسان ثلاثة أشبار إلا أنبط ، ولذلك تجد فيه عدة مناقع عذبة.
وهذا هو المحلّ الذي كان في الجاهلية يسمّى بذات عرق ، وفيه يقول الشاعر :
ألا يا نخلة من ذات عرق |
|
عليك ورحمة الله السلام |
وأحسست في ذات عرق بنشاط سريع ، ومنها إلى الطائف مسافة ساعتين ، يمرّ فيها الإنسان على المكان الذي كانت فيه سوق عكاظ