المتوفى في أواخر القرن العاشر ، وكتاريخ الشيخ أحمد بن علي العبدري الميورقي الأندلسي ، ثم الطائفي الوجّي مسكنا المتوفى سنة (٦٧٨) بعد ذهاب وطنه ميورقة بخمسين سنة ـ فكلّ هذا نحن نحمله على المجاز ، وذلك أننا إذا قلنا : زيد أسد ، فلا يكون المراد أنّه هو هذا الحيوان المفترس ، بل إنه في شجاعته كالأسد ، وإذا قلنا : زيد بحر ، فلا يكون المعنى أنّه هو هذا الماء الكثير المتلاطمة أمواجه ، وإنما هو كناية به عن الكرم ، أو العلم ، أو الحلم ، وإذا قلنا : زيد جبل ، فما يراد بذلك إلا المتانة ، والرصانة ، والثبات ، وإذ نظرنا إلى الحديث الشريف : «إنّ من البيان لسحرا وإنّ من الشعر حكمة» (١) لم يمكننا تأويل «إنّ من البيان لسحرا» إلا بالمعنى المجازي كما لا يخفى ، وذلك بأنّ من البيان ما يستولي على العقول ، ويأخذ بالألباب ، لا أنّه هو من السحر المحرم.
وهكذا حديث «إنّ الطائف قطعة من الشام جعلها الله في الحجاز» أو ما هو بمعناه ، لا أفهمه إلا على هذا الوجه ، وهو أنّ الطائف وأراضيها شامية في فواكهها ، وثمراتها ، وعذوبة مائها ، وبرودة هوائها.
ومن هنا لم يبق حاجة لإرخاء بعض المفسرين العنان لتخيّلاتهم في كيفية اقتلاع بلاد الطائف من أرض الشام ووضعها في الحجاز؟!
هذا زائدا إلى أنّ أكثر هذه الأقوال هي آثار وأخبار ليست من الأحاديث المقطوع بها.
ونحن نعلم أنّ الأحاديث المتواترة ، التي لا يتطرق الشكّ إلى صحة تلفّظ النبيّ صلىاللهعليهوسلم بها ، هي أحاديث معدودة ، وأنّ الأحاديث مهما جاءت على شروط الصحة والثبوت المعروفة عند المحدثين ، فلا يزال مجال للقول في أسانيدها واسع. لأنّ الكلام إذا نقله واحد فلا بدّ أن يتغيرّ فيه
__________________
(١) [حديثان صحيحان انظر «صحيح الجامع» رقم (٢٢١٦) و (٢٢١٩)].