عملهم بالطائف ، وسقوا الكأس التي سقوا بمثلها ، ولكنهم سقوا ببغي وعدوان ، وشربوا بتأديب سلطان وحكم فرقان ، وقيد ابن بجاد بالأصفاد ، وكفى الله شرّه.
ولكنّ الدويش بعد أن عالج طبيب الملك جراحه فرّ من الأسر ونكث ، وجمع جموعه وجموعا ممن مالؤوه على بغيه ، واستأنفوا الثورة ، واضطروا الملك أيده الله أن يزحف إليهم مرّة ثانية ، ويصدع شملهم عودا على بدء ، وما زال يضّيق عليهم ، حتى تفرّقوا تحت كلّ نجم ، وجاء الدويش إلى العراق ظانّا أنّه ينجو ، وأنّه لا يدركه ليل عمله ، الذي هو مدركه ـ إلا أنّ الملك فيصل بن الحسين كان أعقل وأبصر بمصلحة مملكته العراق وبمصلحة العرب من أن يظاهر الخارجين عن طاعة ابن سعود ، لا سيّما أنّهم هم الذين كانوا يوالون على العراق تلك الغارات التي لا نهاية لها ، فانتهى الأمر بتسليم الإنكليز فيصلا الدويش إلى الملك ابن سعود ، عملا بمعاهدة سابقة في تسليم المجرمين ـ وصار إلى جانب رفيقه ابن بجاد بحيث لا يقدر أحد منهما بعد الآن أن يقلق راحة العرب ، ولا أن يهرج البلاد ويمرجها ، وكانت هذه الواقعة سببا في ائتلاف الملكين العاقلين الحكيمين ، اللذين أقرّ اجتماعهما عيون جميع العرب المخلصين للعروبة ، وفتّ في أعضاد الذين يريدونها دائمة حامية ، ولو أفضى ذلك إلى سقوط العرب.
والذي أدّى بنا إلى هذا البحث الذي بعد كثيرا عن أصل الموضوع خبر واقعة الطائف هذه ، التي كانت الضربة الثانية التي قضت على عمرانها ، والتي لو أغفلنا ذكرها وأسبابها لم يكن ذلك منا نصحا بالتاريخ ، ولكنّا مسؤولين عن هذا الإغفال.
ومن شاء معرفة خطط الطائف ، وما فيها من حارات وقصور ومساجد وآثار وأنصاب ، وما حولها من قرى ودساكر ، وما أشبه ذلك