قلت : أما أنّ الطائف قديمة جاهلية فمما لا شكّ فيه ، وقال في «صبح الأعشى» : إنّها كانت قديما للعمالقة ، ثم نزلتها ثمود ، قبل وادي القرى ، ويقال : إنّه نزلها عدوان بعد العماليق ، وغلبتهم عليها ثقيف ، فهي الآن دارهم.
وأما الدباغ فليس له أثر اليوم فيما رأيت.
وأما برد (بالتحريك) فالذي سمعته من أهل الطائف أنّه اسم الجبل الذي في غربي الطائف ، بعيد عنها نحو ثلاث إلى أربع ساعات ، وهو أعلى جبل هناك ، ومن أسفله يأتي ماء المثناة ، ومنه يسيل وادي وجّ ، ولا ينافيه قول الهمداني : إنّه واد ، فإنّ الجبل لا يكون بلا واد ، والوادي لا يتصوّر وجوده بلا جبل ، فقد يكون اسم برد للجبل والوادي معا ، وهذا الجبل شديد البرد ، ومنه اسمه برد الدال على برده ، إلا أنّه لا ينزل عليه الثلج في الشتاء مثل جبال الشام ، وإنما ينزل البرد ـ محركة ـ هو حبّ الغمام ، ويتجمّد فيه الماء.
والجبال في جزيرة العرب وإن أنافت على جبال الشام في الارتفاع ، فإنّها لوقوعها في المنطقة الحارة ، لا ينزل عليها الثلج مثل جبالنا ، فلهذا لا تجد في الجزيرة الأنهار الكبار التي تجدها في الأراضي الضاربة في الشمال (١).
إنّ الهمداني يستعمل الخبّة بالكسر بمعنى المنطقة ، ولعله أخذها من قولهم الخبة ـ مثلثة ـ طريقة من رمل أو سحاب ، والخبة من الثوب شبه الطرة ، وقيل شبه طية من الثوب مستطيلة.
وقد ورد في كتب اللغة اسم «برد» و «بردى» و «برديا» لأماكن كثيرة من أنهار وغدران وجبال وغيرها ، وقيل إنّ برد ـ وضبطها البكري بكسر
__________________
(١) يقول بعض علماء الإفرنج : إنّه كان فيها أنهار عظيمة وعمران عظيم قبل عصر التاريخ ، ويدلّ على ذلك وجود الأودية العميقة.