ولما كان العرب منحصرين في الجزيرة لا يتجاوز ملكهم شطوطها البحرية ، وبادية الشام من الشمال ، كانت الجزيرة عامرة ، والمدن كثيرة ، والقرى متصلة ، والمزارع ناضرة ، والقصور والجواسق وأماكن النزهة لا يأخذها العد ، فإنّ أراضيها المنبتة كانت تضيق بأهلها ، فكانوا يعملون فيها بكدّ عظيم ، ليستغلوا منها كل ما يقدرون أن يستغلوه ، ويتذرعون للخصب بأصناف الحيل.
فلما ظهر الإسلام وهبّ العرب للفتوحات ، ونشر عقيدة التوحيد من جبال الهندكوش إلى جبال الألب ، وكان خلفاؤهم يندبونهم للغزوات ،
__________________
لضيعة الطلحي مستقيمه |
|
صادرة عنها تؤم الزيمه |
ثم على سبوحة القديمه |
|
حيث بريد الصخرة القديمه |
مطنبة في السير ذي العزيمه |
|
إلى أريك تعتلي صميمه |
حميدة في الركب لا مليمه |
|
باقية أعراقها كريمه |
إني لأرجو أن ترى سليمه |
|
محمودة في الركب لا مذيمه |
قال الهمداني في تفسير هذه الأبيات (٣٨٨): (ضيعة الطلحي) من قريش نخل قديمات. (الزيمة) موضع فيه بستان عبد الله بن عبيد الله الهاشمي ، وكان في أيام المقتدر على غاية العمارة ، وكان يغلّ خمسة آلاف دينار مثقال ، وفيه حصن للمقاتلة مبنيّ بالصخر ، ويحميه بنو سعد من ساكنة غزوان ، وعدد جذوعه ألوف ، وفيه غيل مستخرج من وادي نخلة غزير يفضي إلى فوّارة في وسط الحائط تحت حنية ، ثم إلى ماجل كبير ، وفيه الموز والحنا. وأنواع من البقول.
و (سبوحة) موضع و (أريك) عقبة تضاف إلى المكان ، فيقال : عقبة أريك بضم الألف وأريك بفتحها ا ه.
قلت : مررت بالزيمة مرارا ، ولم أجد شيئا من تلك العمارة التي كانت في أيام المقتدر ، ولا حصنا هذا وصفه ، وإنما هناك عين فوّارة من الصخر ، يسمع خريرها من بعيد ، وليس فوقها حنية ، ويسقي بها العرب بعض زرائع وأشجار في الوادي ا ه المؤلف.