عود إلى الطائف وآثار حضارة العرب فيها
ولنعد إلى سياحتنا في الطائف وجبالها بعد أن روينا ما لا بدّ منه من تاريخها فنقول : من أنصع الدلائل على مدنية العرب ، لا في دور الجاهلية فقط ، بل في صدر الإسلام أيضا ـ كثرة الكتابات المنقوشة على الصخور.
فمن المعلوم أنّ الأمم الهمجية لا تعرف قيد الحوادث ، ولا تخليد الذكريات ، ولا تفكّر في اطلاع الأعقاب على ما جرى في سالف الأحقاب ، وأنّه لا يعنى بأمور كهذه إلا من علا كعبهم في الحضارة ، وبعد شأوهم في العمارة ، وهذه أمم الفرنجة اليوم بعد أن بلغوا ما بلغوه من هذا المدى البعيد في المدنية تجدهم لا يبرحون يشيّدون المباني ، وينحتون التماثيل ، ويقيمون الأنصاب ، وينقشون عليها كلّها التواريخ المتعلقة بها ، خدمة لعلم التاريخ في مستقبل الدهر ، وحرصا على اطراد سلسلته ، ووصل فصوله ، وتفاديا من انقطاع أسانيده ، وضياع مصادره.
وبالجملة لا يجتمع حفر الكتابات والنقش على الصخور مع الجهل والانحطاط ، وخلو الدار من الفاضل.
وما عثرنا في أثناء الحفر عمدا أو عرضا على حجارة من أنقاض السلف ، عليها كتابات قديمة ـ إلا وجدناها محررة بلغات أمم عظيمة الآثار ، جليلة المقدار ، كالرومانين ، واليونانيين ، ومن قبلهم كالمصريين ، والفينيقيين ، والحثيين ، والبابليين ، والعرب الذين كان