بما صلح به أوله ، فقد كانت معادن الجزيرة في القديم من أغزر منابع ثروتها ، وعزّها ، وارتقائها ، وهي لا تزال هي هي ، لا ينقصها إلا الإرادة والعمل.
ولقد يقال : إنّ استثمار المعادن ليس بأمر سهل ، وإنه إن أنشبت الشركات الأوربية مخالبها في هذه المعادن جنينا منها السيطرة الأجنبية ، والذّلّ والندامة ، فالأفضل أن نكون فقراء أحرارا ولا نكون أغنياء أرقاء ... ولن نكون أرقاء وأغنياء أبدا ، لأنّ الثروة لا تجتمع مع فقد الاستقلال ، وهاؤم أهل المغرب والجزائر وتونس عندهم من معادن الفوسفات وغيرها ما يقوّم بالمليارات ، وليس بأيديهم منه شيء ، حتى كأنّ ذلك ليس في أرضهم.
كلّ هذا التعليل صحيح لا اعتراض عليه ، وأحسن لنا أن نبقى فقراء مستقلّين ، من أن يبتلعنا الاستعمار الأجنبي بواسطة معادن ، نرجو في استثمارها اليسر ، فيؤول بنا الأمر إلى الخسر ، ولكنّ هذا التعليل لا يحلّ المشكل ، ولا يجوز لأمّة عاقلة رشيدة أبيّة تبغي الحياة مثلنا أن تعوّل في قضية ذات بال كهذه على حلّ سلبيّ صرف ، نظن أننا قد أجبنا به ضمائرنا الناشزة ، وسكنّا به خواطرنا الثائرة ، على حين أنّه الحل الذي يليق بالأمم التي استوى عندها الماء والخشبة ، والتي لا تريد أن تعمل شيئا ، بل تتنتظر قضاء الاستيلاء الأجنبيّ أن ينفذ فيها.
أقول في تعليل ذلك :
أولا : إنّ الذين يقترحون استثمار هذه المعادن الثمينة لا يشيرون بإعطاء أقلّ شيء منها لشركة أجنبية ، أو لشركة مؤلّفة من مسلمين ، هم تبع لدولة أجنبية غير مسلمة ، بل يشيرون بإعطاء الامتيازات لاستثمارها إلى شركات إسلامية ، مرجعها حكومات إسلامية ، ومما لا نزاع فيه أنّ الشركات التجارية في بلاد الإسلام قليلة ، وأنّ رؤوس الأموال قليلة أيضا.