بالجزر ، وحسبك أنها هي أيضا دار الإسلام ، ومبعث الدين ، ومهوى أفئدة المؤمنين ، وإنّ فيها المثابة التي تخفق عليها قلوب ثلاثمئة وخمسين مليون نسمة من العالمين ، وهي البيت الحرام ـ حماه الله ـ مركز الحج ، ومقصد المسلمين من كل فجّ ، فلا يوجد مسلم على وجه البسيطة إلا وقلبه مشغوف بهذا البيت وجواره ، مشغول بنصرة حماته وعمّاره.
ولقد صادفت كثيرين من مسلمي الأمم غير العربية ـ أذكر الآن منهم كثيرين من أعيان التتر وفضلائهم ، لقيتهم في موسكو بعد صلاة الجمعة ـ فرأيت من اهتمامهم بأمر الجزيرة العربية والحجاز الشريف وإحفائهم في الأسئلة عنه ، وتواجدهم الشديد ـ ما لا يمكن أن يكون أكثر منه عند العرب أنفسهم.
دحض شبهة عدم قابلية الجزيرة للعمران
ومما يذهب إليه بعض الناس أنّ جزيرة العرب لا يتهيأ لها أن تكون ذات مستقبل باهر ، وأن تكون ميدان عمل للعرب ، وذلك لحرارة إقليمها التي تزيد على درجة الاحتمال ، وتمنع العرب الذين في الديار الشمالية من الدأب في أطراف الجزيرة ، ولا رأي أعرق من هذا الرأي في الوهم ، فلو كانت الحرارة تمنع العمل لمنعت الأوربيين ، الذين نجدهم في الهند ، وجاوة ، ومدغشقر ، وزنجبار ، وأوغندة ، وموزامبيق ، وبلاد الرأس ، (١) والكونغو ، وغينية ، والسنغال ، وأمريكة الجنوبية ، وغيرها مما لا يحصى ، وقد صاروا فيها كالجراد المنتشر ، وعمّروا فيها أوطانا ، وأدركوا أوطارا ، وهم أقلّ منّا تحملا للحرارة ، وآلف منا للبلاد الباردة ، ولكنّهم قاتلوا حمارّة القيط بالوسائل الفنية ،
__________________
(١) [رأس الرجاء الصالح].