قلت : إنّ جبل الفرع وجبل الشرف وجميع الشعاف والشناخيب التي هناك هي داخلة تحت اسم غزوان ، ولقد سألت الأهالي عن درجة البرد في الشتاء والربيع في تلك الجبال الشامخة فقالوا : إنّ الماء يجمد فيهما دائما ، ولكنّه لا ينزل فيها الثلج المعروف ببلادنا الشامية (١) ، وذكروا أنّه ينزل عندهم صقيع أبيض يجدونه صباحا قد غطّى الأرض.
لغة ثقيف وهذيل في هذا العهد
وأما عربية الأهالي ثقيف وهذيل فنقية ، وكيف لا ، وثقيف مضرب المثل بفصاحتهم يقال : شاعر ثقفي ، ويقال مثل آخر : أكثر من شعراء هذيل. وكان عمر يقول : لا يملي مصاحفنا إلا غلمان قريش وثقيف ، وكان عثمان يقول عند جمع القرآن : اجعلوا المملي من هذيل ، والكاتب من ثقيف.
ومررت بسانية في الفرع ، يديرها شاب لا يتجاوز العشرين ، فأخذت أحادثه وأسائله عن الفرع فقال لي : سقى الله الفرع ، فيها من فضول الله ما لا يحصى. أعجبني جدا كلامه ، وقوله : (سقى الله الفرع) هذه العبارة الشعرية ، ثم قوله : (فضول الله) ولو كان من أهل بلادنا الشامية لقال : أفضال الله. فجمع فضل على أفضال خطأ ، وصوابه فضول ، كما قال الشاب الفرعي الثقفي. وحسبك أنّ أدباءنا وقعوا في هذا الخطأ فضلا عن عوامنا ، وانتقد أحمد فارس الشدياق على ناصيف اليازجي ـ وكلاهما من مفاخر سورية ـ قوله :
مضى يجمع الأفضال وهي عبيده
ولكنّ عند ثقيف وهذيل لغة لم أقرأ عنها في كتاب ، ولا سمعت بها
__________________
(١) السبب في ذلك أنّ بلاد الشام يكثر فيها بخار الماء المتصاعد من البحر والأنهار ، وجبال الطائف بعيدة عن البحر ، وليس فيها أنهار كأنهار الشام.