غير أنّ هناك حقيقة اتفق عليها الباحثون من علماء الفرنجة ، ولا سيّما الذين نقبوا عن الكتابات الحجرية المبثوثة في جزيرة العرب. وهذه الحقيقة أنه في نحو الألف سنة قبل المسيح كانت للعرب ـ لا سيّما في اليمن ـ مدنية في غاية الارتقاء والازدهار.
وبعض العلماء يذهب ـ ومنهم صاحبنا الأستاذ المستشرق موريتز (Morits) الألماني ـ إلى أنّ أصل إيجاد الكتابة بالحروف بعد الكتابة الهيرو كلوفية كان في اليمن ، وهو يعتقد أنّ اليمانيين هم الذين اخترعوا الكتابة ، وليس الفينيقيون هم الذين اخترعوها كما هو الرأي المشهور.
وقد أفضى موريتز إليّ بأدلته على هذا الرأي ، وقال : إنّ الفينيقيين إنما بنوا كتابتهم على الكتابة العربية اليمنية ، ثم إنّ اليونانيين أخذوا الكتابة عن الفينقيين ، وعنهم أخذ الرومانيون ، فيكون العرب هم الذين أوجدوا الكتابة في العالم ، وبهذا الاعتبارهم الذين أوجدوا المدنية.
وأما المستشرق هومل (Hommel) ففي «الأنسكلوبيدية الإسلامية» يذكر أخذ اليونان عبادة أبولّون وأمه ليتو (Leto) عن العرب (١).
وقال روبيرتسون سميث (Robertson Smith) : إنّ ليتو هذه هي اللات ، وإنّ اليونان بحسب رأي بريتوريوس أخذوا بعض أحرفهم عن كتابة عرب اليمن ، والبعض الآخر عن كتابة الكنعانيين ، قال هومل : إنّ جنوبيّ بلاد العرب كانت فيه مدنيّة في أوائل الألف قبل
__________________
وفي الحديث «تاريخ العرب قبل الإسلام» لجواد علي ، و «تاريخ العرب القديم» للدكتور فؤاد حسنين وغير ذلك].
(١) [وإلى هذا ذهب العلامة الكبير الدكتور نجيب محمد البهبيتي المصري رحمهالله تعالى في كتابه «الشعر العربي في منظوره التاريخي القديم» وهو آخر مؤلفاته].