من السويس إلى جدة ووصف الإحرام والتلبية
فصلنا من ميناء السويس في (٨) مايو ـ أيار على باخرة تقل نحوا من (١٣٠٠) حاج من إخواننا المصريين ، وفيهم بعض المغاربة ، فسارت بنا الباخرة رهوا ورخاء ، لم نشعر فيها إلى جدة بأدنى حركة للبحر تزعج الراكب ، وإنما كان المزعج هو اكتظاظ السفينة بالراكبين ، حتى لا يقدر أحد أن يمرّ من شدّة الزّحام.
وفي اليوم الثالث من مسيرنا ، ناوحنا (١) ميناء رابغ ، ولما كان الحجيج الوارد من الشمال في البحر الأحمر عليه أن يحرم من رابغ ، فقد أحرم جميع الحجاج الذين في الباخرة ، وارتفعت الأصوات من كل جهة : «لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إنّ الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك» فاستشعر النّاس من الخشوع في أثناء ضجيج الحجيج هذا ما اتصل بأعماق القلوب ، وتغلّغل في سرائر النفوس ، وأحسّ الجميع أنّ البيت الذي يخلع النّاس تعظيما له أثوابهم قبل الوقوف بعتبته بمسيرة يومين ، ويشتملون في القصد إليه ما ليس فيه شيء من المخيط ـ لبيت مقدّس ، لا يؤمّه النّاس كما يؤمّون سائر البيوت ، وإنّه فوق بيوت الملوك ، وفوق مقاصير القياصرة ، وأواوين الأكاسرة ، التي لا يحرم في الطريق إليها أحد ، لا من بعيد ولا من قريب.
__________________
(١) [حاذينا].