والذي عليه جمهور المؤرخين والمنقبين اليوم وفي مقدمتهم سبرنكر ، وشرودر ؛ هو أنّ جزيرة العرب هي مهد الأمم السامية ، وأنّ المهاجرة بدأت منها إلى الخارج.
وقد خالف في ذلك بعضهم ، وذهبوا إلى أنه يجوز أن يكون وقوع المهاجرة بالعكس ، أي بدلا من أن يكون العرب ارتحلوا من الجزيرة إلى بابل ؛ يجوز أن يكون بعض الأقوام الذين على شواطىء الفرات قد ارتحلوا منها إلى الجزيرة العربية ، فأما كون البربر من العرب وأنهم جاؤوا من جزيرة العرب ، وأن اللغة البربرية هي من اللغات السامية ؛ فهذا سيكون البحث فيه بمكان آخر.
فبعض العلماء ومنهم نولدكه المستشرق الألماني المعروف يقول بهذا الرأي وبعضهم يردّه.
وقد ذهب هومل (Hommel) إلى أنّ السبئيين كانوا في الجوف في شمالي بلاد العرب ـ التابعة لابن سعود اليوم ـ وأنهم تقدموا منها إلى الجنوب. وقد جاء ذكر سبأ في «التوارة» مرارا ، ولكن بأقوال يناقض بعضها بعضا ، وإنما يمكن الاتفاق على أنّ السبئيّين كانوا تجارا في تلك الأعصر ، يبيعون عود الطيب في مصر والشام ، ويتّجرون بالحجارة الكريمة ، و «التوارة» تشير إلى ثروة السبئيّين ، ويؤيّد ذلك مؤرخو اليونان والرومان.
وقد ذكر سترابون المؤرخ الجغرافي اليوناني ، أنّ الرومانيين في زمن أغسطس غزوا سبأ ، وذلك سنة (٢٤) أملا بالاستيلاء على أموال هذه الأمة ـ ففشلت هذه الغزوة فشلا تاما ، ولكنّها عرّفت الرومانيين ببلاد العرب ، فقد جاء في كتب مؤرّخي الرومان واليونان مثل ديودور وهيرودوت وغيرهما كلام كثير عن حضرموت واليمن ، ووجد مطابقا للكتابات التي عثروا عليها في جنوبيّ الجزيرة العربية. ومن ذلك كلّه يظهر أنّ أهالي اليمن كانوا أشداء في الحروب ، أصحاب إقدام ونشاط