تحفظ مآثر قومها ، وتعتز بالاعتزاء إلى سلفها ، مع أنّ القبيلة الثانية التي تنافسها تحفظ لها عورات ومعرات تعيّرها بها عند المفاخرة والمنافرة.
ولشدة اعتنائهم بالأنساب تجد انتصار بعضهم لبعض على نسبة درجة القرابة ، فكلّما كانت القبيلة أقرب إلى القبيلة كانت أولى بنصرها ، لا يتخلّف ذلك فيهم إلا لعوامل غير معتادة. ومهما اشتدت العداوة بين أبناء فخذ واحد فإنّهم يجتمعون بطنا واحدا على بطن آخر ، يناوئهم من قبيلتهم ، وكذلك تجتمع البطون المنتسبة إلى عمارة لمقاومة عمارة أخرى ، وهلمّ جرا.
ولا بدّ أن ينزع عرق النسب في العربي ، فيميل به إلى الأقرب مهما كان هذا الأقرب بعيدا في الحقيقة ؛ فالقحطانيّ ينتسب إلى شعب طويل عريض يحصى بالملايين ، والعدنانيّ ينتسب إلى شعب لا يقل عنه في العدد والمدد ، ولكن إذا اختصما في موقف من المواقف وجدت عرق العصبية نزع في كل عربي ، فمال القحطانيّ إلى قبائل اليمن ، ومال العدنانيّ إلى قبائل الحجاز ونجد ، أي مضر وربيعة. وقد يؤاخي الفريق منهم من كان يعاديه بغضا بفريق آخر أشد عداوة لأنّه أبعد نسبا ، وعليه قول شاعرهم :
وذوي ضباب مضمرين عداوة |
|
قرحى القلوب معاودي الأفناد |
ناسيتهم بغضاءهم وتركتهم |
|
وهمو إذا ذكر الصّديق أعادي |
كيما أعدّهمو لأبعد منهم |
|
ولقد يجاء إلى ذوي الأحقاد |
ومن أجل هذا التدقيق في قرب النسب وبعده ، وترتيب الصداقة والعداوة على درجات هذا القرب وهذا البعد ؛ انقسم العرب إلى ذنيك الشعبين الكبيرين عدنان ، وقحطان.
[القحطانية]
وغلب على قحطان اسم اليمن ، لأنّ أكثر منازل العرب القحطانية