شعوري القومي في جدة والحجاز
يلذّ الإنسان عند دخوله إلى جدة تذكره أنّها باب مكّة المشرّفة ، وأنّ المزار أصبح قريبا ، وقد لذّني أنا يوم دخولي إليها زيادة على ذلك ما شعرت به من أنّي هنا لست تحت سيطرة أوربية ... نعم شعرت منذ وطئت قدمي رصيف جدة أنّي عربيّ حرّ ، في بلاد عربية حرّة ، شعرت أني تملّصت من حكم الأجنبي الثقيل ، الملقي بكلكله على جميع البلاد العربية ـ ويا للاسف ـ حاشا مملكتي الإمامين عبد العزيز ابن سعود ، ويحيى بن محمد حميد الدين.
شعرت أني حرّ في بلادي ، وبين أبناء جلدتي ، لا يتحكّم في رقبتي المسيو فلان ، ولا المستر فلان إلخ بحجّة انتداب أو احتلال ، أو سيطرة أو حماية أو وصاية ، أو غير ذلك من الأسماء المخترعة ، التي يراد بها تنعيم مسّ الفتوحات ، وتخفيف مرارتها في الأذواق.
شعرت أني إن كنت خاضعا هنا لحكومة ، فكخضوع لويد جورج لحكومة إنكلترة ، وكخضوع كليمنصو لحكومة فرنسة ، أي أنّي خاضع لحكومة عربية بحتة ، رأسها وأعضاؤها مني وإليّ ، وأنا منها وإليها ، وبعبارة أخرى إنّي هنا خاضع لنفسي ، وإنّ كلّ من أراه من رعاياها إنما هو خاضع لنفسه ، وأن الأمر في هذه الديار مع العرب هو على حد ما قال الصوفية : المكلّف هو المكلّف ، وإنّ تعداد الوجودات هو تعداد ألوان ، لا تعداد أنواع.