ركبت بدعوة جلالة الملك ابن سعود إلى يساره في السيارة (١) وسرنا بمعيته مساء يوم وصولي ، وذلك إلى البلد الأمين ، حماه ربّ العالمين.
ولم أجد الحرارة في جدة فوق ما تتحمله النفس ، حتى نفس الذي لم يتعوّد الحر ، نظير هذا العاجز ، بل هواء البحر يرطّب جوّ جدة ، ويخفف من سموم الصحراء ، وذلك بخلاف مكة التي حرّها شديد.
الطريق من جدة إلى مكة
فأما الطريق من جدة إلى مكة في هذا الفصل ، فليس فيها ما يسرح به النظر في مونق أو ناضر ، فلا ترى من أولها إلى ما يقارب آخرها غصنا أخضر يلوح ، ولا رقعة بقدر الكفّ خضراء ، ولا يكاد يقع بصرك من الجانبين إلا على رمال محرقة ، تدخل العشايا ، ويجن الليل ، وهي حافظة لحرارة النهار ، وعلى آكام وأهاضيب أكثرها من الحجارة السود ، كأنها من بقايا البراكين.
ولما وصلنا إلى بحرة ظننت أنّي أرى فيها قرية أشبه بالقرى ، فإذا بمجموع عشاش وأخصاص وبيوت لا ترضي ناظرا ، وهناك أماكن استعاروا لها اسم المقاهي ، وهي في الحقيقة أخصاص ، تشتمل على مقاعد من خوص ، يجلس عليها المسافرون ، الذين بلغ بهم الجهد ، فيشربون شيئا من الشاي ، أو ينقعون غلّتهم بماء لا غناء فيه ، وكان الأولى بأهل مكة وجدة أن يجعلوا من بحرة منزلا تقرّ به عين المسافر ، ويجد فيه خضرة ونعيما بعد تلك الرمال المحرقة ، والآكام الجرداء ، والأمل أنّ حكومة الملك ابن سعود تنظر إلى هذه العلّة فتزيلها.
__________________
(١) اصطلحوا في الحجاز على تسمية (الأوتوموبيل) سيارة ، وقد يقولون موتر ، أي (Moteur) ويجمعونها على مواتر).