الكلام على مكة المكرمة
صفتها الحسية ـ ومكانتها المعنوية ـ وكعبتها البهية ـ
وهويّ القلوب إليها من جميع البرية
ورزقها من جميع الأغذية والثمرات استجابة لدعاء إبراهيم صلىاللهعليهوسلم.
جعل الله مكة مكانا لعبادتة تعالى لا غير ، وكأنّه سبحانه وتعالى لما قضى بأن تكون محلا للعبادة ومثابة للناس وأمنا قضى أيضا بتجريدها من كلّ زخارف الطبيعة ، ولم يشأ أن يطرّزها بشيء من وشي النبات ، ولا أن يخصّها بشيء من مسارح النظر المونقة ، حتى لا يلهو فيها العابد عن ذكر الله بخضرة ولا غدير ، ولا بنضرة ولا نمير ، ولا بهديل على الأغصان ولا هدير ، وحتى يكون قصده إلى مكة خالصا لوجه ربّه الكريم ، لا يشوبه تطلّع إلى جنان أو رياض ، ولا حنين إلى حياض أو غياض. وحتى يبتلي الله عباده المخلصين ، الذين لا وجهة لهم سوى التسبيح له ، والتأمل في عظمته تعالى ، فكانت مكة أجرد بلدة عرفها الإنسان ، وأقحل بقعة وقعت عليها العينان.
مكة هذه البلدة المقدسة ، التي هي فردوس العبادة في الأرض ، وجنة الدنيا المعنوية عبارة عن واد ضيّق ذي شعاب متعرّجة ، تحيط بذلك الوادي جبال جرداء ، صخرية صماء ، لا عشب [فيها] ولا ماء ، قاتمة اللون ، كأنّها بقايا البراكين ، إذا مرّ عليها الإنسان يوما من أيام الصيف