عرفة في القديم
إنّ في صحراء عرفة آبارا معطّلة ، احتفرها آباؤنا ، وأهملناها نحن ، فدلّت على أنّ الأبناء قصّروا عن شأو الآباء ، وأنّ الأبناء إنما ارتفقوا بما عجز الحدثان عن طمسه من مآثر الآباء ، ولكنّهم لم يزيدوا عليها شيئا ، بل هم لم يصلحوا ما عطّله الدهر من حلاها ، والحال أنّ الآخر حقيق بأن يزيد على الأول ، وأنّ الذي يتسنّى للخلف بما استفادوا من عبر الدهر المتراكمة ، واستثمروه من التجارب المتكررة ، لم يكن يتسنّى للسلف ، فنحن ترانا بعكس القاعدة ، نعجز في عنفوان المدنية عن مباراة ما حققه أجدادنا في حداثتها ، وليت شعري لو لم تكن زبيدة امرأة هارون الرشيد جرّت مياه نعمان إلى عرفات ، من يقول : إنّ رجلا من مسلمي اليوم ، فضلا عن امرأة ، تسمو همته إلى القيام بمشروع كهذا؟
فعرفات التي هي ما هي اليوم من القحولة واليبوسة ، والتي كان الحاجّ يظمأ فيها إلى الموت ، لو لا قناة عين زبيدة المارة بها ، قد كانت في الماضي ذات رياض وغياض ، وسقايات وحياض ، انظر ما في «معجم البلدان» (٤ : ١٠٤) بشأن عرفات ، فهو يقول : قال ابن عباس : حدّ عرفة من الجبل المشرف على بطن عرنة إلى جبالها ، إلى قصر آل مالك ووادي عرفة.
وقال البشاري : عرفة قرية فيها مزارع وخضر ومباطخ ، وبها دور