أهمية المياه في الحجاز
أعود إلى ذكر المياه والعيون بمكة ، وقد يقال لي : لماذا هذا الإسهاب كلّه في قضية الحياض والقنيّ والمواجل والبازانات ، وفيما عملته زبيدة ، وفيما عمله عبد الله بن عامر بن كريز وغيرهما من المعمرين والمنظمين الخ؟
والجواب : من لم يعرف الحجاز لم يعرف قيمة المياه في الأرض ، وإذا كانت آية (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ) [الأنبياء : ٣٠] صحيحة. في أسوج ونروج ، لا بل في القطب الشمالي ، حيث الثلوج عامة للأقطار ، طامّة للأنظار ، فكم تكون هذه الآية الكريمة صحيحة في قطر مثل الحجاز ، تصعد درجة الحرارة فيه بالصيف إلى (٤٧) و (٤٨) بميزان سنتيغراد ، وكثيرا ما يعزّ فيه المطر ، فتنضب من ذلك عيون كانت جارية ، وآبار كانت دافقة ، وتتوقف سوان كانت دائرة ، وتصوّح جنان كانت بهجة للناظرين ، وتموت أشجار كانت آية للسائلين ، وتصبح الرّياض التي كانت أشبه بالزمرّد قاحلة غبراء مربدّة ، كأنّها فيافي بني أسد.
إنّ شأن الحجاز في هذا المعنى هو غير شؤون سائر البلاد ، فالماء فيه يجوز أن يوزن بالمثقال ، والماء فيه هو الذهب ، والماء فيه هو الماس ، ونقط الغيث فيه هي اللآلىء.
وبالجملة فالماء فيه هو الحياة نفسها ، وهي أغلى من كل هذه ، ولو ألّف حجازيّ قاموس لغة ، وعند تعريف الحياة قال : إنها الماء ، أو عند