لذة الماء والخضرة في البلاد الحارة
غيرها في البلاد الباردة
ترى مما تقدّم أنّ مطرة واحدة في الحجاز تحيي وتميت ، وليس الأمر كذلك في سائر البلاد ، التي تهطل فيها الأمطار فتعمّ ، وإن لم يصب هذه القطعة عارض ممطر هذه المّرة أصابها مرّة أخرى.
نعم إن الودق في الحجاز ـ وفي جميع البلاد الحارة ـ أشدّ منه في البلاد الضاربة إلى الشمال ، وإنّ مزنة واحدة في الآحايين ، لا تستمرّ أكثر من نصف ساعة ، فتسيل لها أودية بقدرها ، تجرف وتجحف ، وقد تذهب بالحيطان (١) والبيوت ، وقد تغتال القوافل والسوابل إذا جاءتهم على غرّة. ولكنّ طغيان المياه هذا لا يستمرّ إلا ريثما ترفع النقطة ، فعند ذلك تنظر في الأرض ، فإذا هي قد بلعت ماءها ، وعاد ما كنت تراه نهرا هدّارا قد نضب ماؤه ، وصحت سماؤه ، وكأنّه لم يمرّ من هناك ماء ، ولم تمطر سماء.
وفي مدينة الطائف واد شهير مذكور في الكتب يقال له : وجّ ، إذا سال هذا الوادي شبعت الطائف وكلّ ما جاورها خيرات وأقواتا ، ومع هذا لا يسيل في السنة كلّها إلا مرّة أو مرتين ، وكلّ مرة ساعة أو ساعتين.
فمن أجل هذا كان الماء في الحجاز أثمن وأغلا منه في سائر
__________________
(١) [البساتين].