أثر السيدة زبيدة
من حيث قد تقرّر أنّ الماء هو في البلاد الحارة والمعتدلة أحيا وأعذب ، وأبرد على الأكباد وأطيب أضعافا مضاعفة منه في البلاد الباردة ، فقد كان أعظم ما يرزق به الإنسان من الصواب والثواب ، وما ترتفع به درجته في المبدأ والمآب ، هو تفجير الينابيع ، وإسالة الجداول ، وتقريب المشارع في بلاد نظير الحجاز ، تقصد إليها الحجاج من الحار والبارد ، والرطب واليابس بالألوف ، وعشرات الألوف ، ومئات الألوف ، زائدا إلى من فيها من السكان.
فالمشروع الذي شرعته زبيدة بنت جعفر في هذا المشروع العظيم الذي فتحته لجيران البيت الحرام ، ولقصّاده من جميع بلاد الإسلام ، هو كما تقدم عمل قصّر عن مثله الأولون والآخرون.
وانظر إلى ما قاله أبو الوليد محمد الأزرقي (١) الغساني في هذا الشأن ، وقد عاش في عصرها : ثم كان الناس بعد في شدة من الماء ، وكان أهل مكة والحاج يلقون من ذلك المشقة ، حتى إنّ الرواية لتبلغ في الموسم عشرة دراهم وأكثر وأقل ، فبلغ ذلك أمّ جعفر بنت أبي الفضل جعفر بن أمير المؤمنين المنصور ، فأمرت في سنة أربع وتسعين ومئة بعمل بركتها التي بمكة ، فأجرت لها عينا من الحرم (لا يقصد بالحرم هنا المسجد الحرام ، وإنما يقال حرم لمنطقة مخصوصة معينة حول مكة كما لا يخفى) (٢) فجرت بماء قليل لم يكن
__________________
(١) [«أخبار مكة» : (٢ : ٢٣٠)].
(٢) حرم مكة هو ما حرّم الله فيه القتال والصيد وقطع النبات وعضد الشجر ، وله