إن المعاني على قسمين ، منها : إخطاريّة ، ومنها : غير إخطاريّة ، فما يكون صالحاً لأنْ يخطر في الذهن بنفسه فهو معنًى اسمي ، وما لا يصلح لذلك بل لا بدَّ من كونه ضمن كلامٍ مرتّب بترتيب معيّن فهو معنى حرفي. والمعاني غير الإخطارية إيجاديّة ، غير أنّ هذه المعاني الإيجاديّة تنقسم إلى قسمين ، فمن الحروف ما يوجد مصداق لمعناه في الخارج ، كحروف النداء والتشبيه ونحوها ، فإنّه لمّا يستعمل حرف النداء ويقال : يا زيد ، يوجد مصداقٌ للنداء خارجاً ، وكذا في : زيد كالأسد ، ومن الحروف ما لا يوجد مصداق لمعناه في الخارج مثل «من» و «على» و «إلى» ، فهي حروف نسبيّة ، أي أن معناها ليس إلاّ إيجاد النسبة والربط بين المعاني المتباينة التي لا ربط بينها ، كما في : سرت من البصرة إلى الكوفة.
فالحروف كلّها إيجاديّة ، غير أنْ بعضها لمعناه مصداق في الخارج وبعضها لا ، بل هي لإيجاد الربط والنسبة فقط ، فما في كلام صاحب (الحاشية) من تقسيم الحروف إلى إيجادية وغير إيجادية غير صحيح.
وبالجملة ، فلا شيء من الحروف بإخطاري.
ثم قال : إن النسبة بين المعنى الاسمي والمعنى الحرفي هي النسبة بين المفهوم والمصداق ، فالمعنى الاسمي له خاصيّة المفهوم ، والمعنى الحرفي له خاصيّة المصداق ، فالتفاوت بين «النداء» الذي هو معنى اسمي ، وبين «يا زيد» الذي هو معنى حرفي ، هو التفاوت بين «مفهوم الماء» و «مصداق الماء» ، مع الالتفات إلى أنا بواسطة الحرف نوجد المعنى ، ولا ظرف لمعناه إلاّ ظرف الاستعمال ، وهو موطن تحقّقه ، بخلاف مثل صيغ العقود والإيقاعات التي موطن تحقّق المنشأ فيها هو وعاء الاعتبار.