تخرج المفاهيم والمعاني عن إطلاقها ، وتحصّصها ، لكن ليس معاني هي الحروف هذه التحصيصات والتضييقات ، بل هي النسب ، فمعنى «في» النسبة الظرفية ، ومعنى «من» النسبة الابتدائية ، ومعنى «إلى» النسبة الانتهائية ، وهذه المعاني لازمها التضييق. وسيأتي تفصيل ذلك في بيان الرأي المختار.
وتكلّم السيد الاستاذ في (المنتقى) (١) على نظرية التضييق في جهاتٍ نلخّصها كما يلي :
١ ـ إنّ التضييق من الأفعال التسبّبية التوليدية التي تتحقق بأسبابها ، بلا توسيط الإرادة والاختيار في تحقّقها ، وهو مسبّب عن الربط بين المفهومين بلا اختيار ، فهو مسبب والربط والنسبة سبب ، ولو لا حصول الربط والنسبة بينهما كالربط بين زيد والدار لا يتحقق التضييق في مفهوم زيد.
فإنْ أراد من وضع الحروف لتضييق المعاني الاسميّة وضعها للمسبَّب ، أي نفس التضييق دون السبب ، فهو غير معقول ، لأنّ الحرف إمّا أن يوضع لمفهوم التضييق ، أو لمصداقه وواقعه ، لكن الأوّل باطل ، للتباين بين مفهوم التضييق ومفهوم الحرف ، عند العرف ، مع استلزام الوضع له الترادف بين اللّفظين في المعنى ، مضافاً إلى أن التضييق من المفاهيم الاسميّة.
والثاني يبطل بوجوه :
الأول : إن الوضع بإزاء الوجود ممتنع ، لكون الغرض من الوضع هو انتقال المعنى عند إلقاء اللّفظ ، والوجود سواء الخارجي أو الذهني ، لا يقبل الانتقال ، ويأبى الوجود الذهني ، لأن المقابل لا يقبل المقابل ، أو أن المماثل لا
__________________
(١) منتقى الاصول ١ / ١١٤.