نقتصر على كلمتين من (الأسفار) ، ففي مبحث الوجود الرابط ، في الردّ على المحقق الدواني يقول : «فإن الأسود في قولنا : الجسم أسود ، من حيث كونه وقع محمولاً في الهليّة المركبة ، لا وجود له إلاّ بمعنى كونه ثبوتاً للجسم ، وهذا ممّا لا يأبى أن يكون للأسود باعتبار آخر غير اعتبار كونه محمولاً في الهليّة المركبة وجود ، وإنْ كان وجوده الثابت في نفسه هو بعينه وجوده للجسم» (١).
يعني : إنه ليس في الخارج إلاّ وجود واحد ، ولكنّ هذا الوجود الواحد يتعدّد بالاعتبار ، وهذا الاعتبار الذي يسبب التعدّد يكون في قضيّتين نحن نشكّلهما.
إحداهما : قضيّة هل البسيطة التي يُسئل فيها عن وجود البياض ، فهذا اعتبارٌ ، ويقال في الجواب : البياض موجود.
والثانية : قضيّة هل المركّبة ، حيث يُسئل فيها عن ثبوت البياض للجدار ويقال مثلاً : هل الجدار أبيض؟ فهنا قد جعلنا الوجود محمولاً ، فنقول في الجواب : الجدار موجود له البياض.
فالتعدّد إنما جاء من ناحية الاعتبار ، وإلاّ ففي الخارج ليس إلاّ وجود واحد ، هذا الوجود الواحد الذي كان قابلاً لأن يكون باعتبار منّا محمولاً على ماهيّة العرض ، كما في قولنا : البياض موجود ، ولأن يكون باعتبارٍ منّا رابطاً في القضيّة التي نشكّلها نحن ونقول : الجدار موجود له البياض ، ولأن يقع مفاداً لأحد الأفعال الناقصة ، كأن نقول : الجدار كان له البياض ، أو يكون له البياض. وهكذا.
__________________
(١) الأسفار ١ / ٣٣١ ط مكتبة المصطفوي.