عالم الاعتبار.
وثانياً : إنا لو سلّمنا أن الوضع كون اللّفظ وجوداً جعليّاً للمعنى ، فإن إيجاد المعنى بالوجود الجعلي ليس إلاّ الاستعمال ، فلا محالة يكون الإنشاء نفس الاستعمال ، وإذا كان كذلك ، فإن الاستعمال إنما هو بداعي تفهيم المعنى للمخاطب ، وهذا هو حكمة الوضع ، فالوضع يكون مقدّمة للاستعمال ، والاستعمال مقدّمة لإحضار المعنى في ذهن المخاطب ، وإذا لم يكن وراء الإيجاد الجعلي ـ الذي هو عين الاستعمال ـ معنىً للّفظ ، فأيّ فائدة لهذا الاستعمال الذي لا يفيد المخاطب شيئاً؟
وبعبارة اخرى ملخّصة : إنا في مقام الاستعمال نستخدم اللّفظ لإفهام المعنى ، وليس اللّفظ موجداً للمعنى ، وإذا لم يكن هناك إلاّ الاستعمال ، فأين المعنى المقصود إفهامه؟
وبعبارة ثالثة : إذا كان الفرق بين الجملتين مجرّد الحكاية وعدمها ، لزم كون الإنشاء مجرّد التلفّظ ، وهذا ما لا يلتزم به أحد!
وذهب المحقق الخوئي إلى أن الجملة الخبرية مبرزة ، والجملة الإنشائية مبرزة كذلك ، وكلّ واحدة تبرز أمراً نفسانيّاً ، فالجملة الخبرية مبرزة لقصد الحكاية ، وهو أمر نفساني ، والجملة الإنشائية مبرزة للاعتبار ـ أي اعتبار لابديّة الفعل في ذمّة المكلّف ـ وهو أمر نفساني كذلك ، ولمّا كان مدلول الجملة الخبريّة هو الحكاية ، وهي أمر يقبل الصّدق والكذب ، كانت الجملة الخبريّة متّصفة بأحد الوصفين ، وأمّا الدالّ وهو الخبر فلا يقبل الصّدق والكذب ، وكذا الاعتبار فإنه لا يقبل شيئاً من ذلك ، فلذا لا يحتمل الصّدق