علّةٍ ، في أصل وجوده ، وفي خصوص تبادر هذا المعنى المعيَّن من هذا اللّفظ المعيَّن ، فما هي تلك العلّة؟
إن العلّة لا تخلو عن الرابطة الذاتيّة بين اللّفظ والمعنى ، أو القرينة ، أو الرابطة الوضعيّة. أمّا الاولى فغير معقولة ، لأن دلالة الألفاظ على معانيها جعليّة وليست بعقلية ولا طبعيّة ، وأمّا الثانية فمنتفية ، لأن المفروض عدم دخل القرينة في الانسباق ، فتبقى الثالثة ، وتكون النتيجة كشف التبادر عن الوضع ، فهو علامة للمعنى الحقيقي للمستعلم.
لقد كان مبنى هذا الوجه هو الكشف الإنّي ، لكنّ التبادر أمر نفساني ، والعلقة الوضعيّة بين اللّفظ والمعنى أمر اعتباري ، وقد سبق أن حقيقة الوضع هو التعهّد ، أو جعل اللّفظ وجوداً للمعنى ، أو تخصيص اللّفظ بالمعنى ، أو اعتبار الملازمة بين اللّفظ والمعنى ، أو جعل اللّفظ علامة للمعنى.
فالوضع ـ على كلّ تقدير ـ أمر حاصل في الخارج ، وهو معلوم تارةً ومجهول اخرى ، وإذا كان الوضع علّةً للتبادر لزم أن يكون الأمر الخارجي علّةً للأمر الذهني ، وقد تقرّر في محلّه أن الموجود الخارجي لا يمكن أن يكون مؤثّراً في الوجود الإدراكي.
على أنه لو كان التبادر معلولاً للوضع ، فإنه لا بدّ من وجوده ، سواء علم بالوضع أو لا ، لأنه أثر الوضع.
فثبت أن التبادر ليس معلولاً للوضع وكاشفاً عنه ، بل هو معلول للعلم بالوضع.
فالذي أفاده التبادر هو العلم بالوضع لا الوضع ، نعم يكون للوضع أثر