التضييقات في المعاني الاسمية ، فإذا أخبر المتكلّم عن علم الله سبحانه وقصد تضييق إخباره أبرز قصده بهيئة الفعل الماضي أو بهيئة الفعل المضارع ... وقد تقدّم الكلام على هذا القول في محلّه ، لكن الإشكال هنا هو : إنه لا ريب أن معاني الهيئات معانٍ حرفيّة ، والمعاني الحرفيّة ـ تختلف سنخاً وجوهراً عن المعاني الاسميّة ـ وإن اختلفوا في كيفية هذا الاختلاف وحقيقته ـ وعليه ، فلا يعقل أن يكون «القصد» هو المعنى الذي تدلُّ عليه الهيئة ، لأنه ـ أي القصد ـ معنىً اسمي ، كما لا يخفى.
وبعد أنْ فرغ شيخنا دام ظلّه من تحقيق الوجوه التي ذكرها الأعلام ، أفاد بلحاظها وبالنظر إلى كلام النحاة :
إنّ هيئة الماضي موضوعة للنسبة الموصوفة بالتقدّم على زمان النطق ، وهيئة المضارع موضوعة للنسبة الموصوفة بالتأخّر عنه ، من غير دخلٍ للتقدّم والتأخّر في مفهوميهما ، فمفهوم «علم» ليس إلاّ المعنى الذي هو مدلول المادّة ، أمّا كونه «في الزمان الماضي» فهذه ضميمة من عندنا ، نعم ، هذا العلم يقع مقترناً بذاك الزمان ، أو مقترناً مع زمان الحال أو المستقبل في «يعلم».
فليس في مفهوم الفعل والهيئة الموضوعة له الدلالة على الزمان ، ولا الخروج من القوّة إلى الفعل ، أو العدم إلى الوجود ، وإنما المدلول مجرّد تحقّق المادّة قبل أو بعد زمان النطق ، وهذه هي الخصوصيّة المشار إليها في كلام (الكفاية) ... ومن هنا صحّ قولنا علم الله ، يعلم الله ، إذ ليس المعنى إلاّ وجود علمه تعالى قبلُ وفي الحال والمستقبل.