جاءني رسول الله صلىاللهعليهوسلم موعوكا قد عصب رأسه فقال : «خذ بيدي» ، فأخذت بيده ، فأقبل حتى جلس على المنبر ثم قال : «ناد في الناس» فصحت في الناس ، فاجتمعوا إليه فقال : «أما بعد أيها الناس ، فإنّي أحمد الله إليكم الذي لا إله إلّا هو ، ألا فإنه قد دنا مني حقوق من بين أظهركم ، فمن كنت جلدت له ظهرا [فهذا ظهري فليستقد منه ، ومن كنت شتمت له عرضا فهذا عرضي فليستقد منه ، ومن كنت أخذت له مالا](١) فهذا مالي فليأخذ منه ، ولا يقول رجل إنّي أخشى الشحناء من قبل رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ألا وإنّ الشحناء ليست من طبيعتي (٢) ، ولا من شأني ، ألا وإنّ أحبكم إليّ من أخذ حقّا ، إن كان له ، أو حلّلني فلقيت الله تعالى وأنا طيّب النفس ، وقد أرى أن هذا غير مغن عنّي حتى أقوم فيكم مرارا».
قال الفضل : ثم نزل فصلى الظهر ، ثم رجع فجلس على المنبر فعاد لمقالته الأولى وغيرها ، فقام رجل فقال : يا رسول الله إنّ لي عندك ثلاثة دراهم ، فقال : «أما إنّا لا نكذّب قائلا ، ولا نستحلفه على يمين ، فيم كانت لك عندي؟» فقال : يا رسول الله تذكر يوم مرّ بك المسكين ، فأمرتني فأعطيته ثلاثة دراهم ، فقال : «اعطه يا فضل» فأمر به فجلس.
ثم قال : «أيها الناس من كان عنده شيء فليؤدّه ولا يقول رجل : فضوح الدنيا ، فإنّ فضوح الدنيا أيسر من فضوح الآخرة» فقام رجل فقال : يا رسول الله عندي ثلاثة دراهم غللتها في سبيل الله ، قال : «ولم غللتها؟» قال : كنت إليها محتاجا ، قال : «خذها منه يا فضل».
ثم قال : «أيها الناس من خشي من نفسه شيئا فليقم أدع له» ، فقام رجل ، فقال : والله (٣) يا رسول الله ، إنّي لكذاب وفاحش ، وإنّي لنئوم ، فقال : «اللهم ارزقه صدقا واذهب عنه النوم إذا أراد» ، ثم قام آخر ، فقال : والله يا رسول الله إنّي لكذاب وإنّي لمنافق وما من شيء من الأشياء إلّا قد جئته ، فقام عمر بن الخطّاب فقال : فضحت نفسك أيها الرجل ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «يا بن الخطاب فضوح الدنيا أهون من فضوح الآخرة ، اللهم ارزقه صدقا وإيمانا وصيّر أمره إلى خير» فقال عمر كلمة ، فضحك رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثم قال : «عمر معي ، وأنا مع عمر ، والحق بعدي مع عمر حيث كان» [١٠٤٤٦].
أخبرنا أبو القاسم بن الحصين (٤) ، أنبأنا أبو طالب بن غيلان ، حدّثنا أبو بكر الشافعي ،
__________________
(١) ما بين معكوفتين سقط من الأصل واستدرك عن المختصر ، ومثله في دلائل النبوة للبيهقي.
(٢) في دلائل النبوة للبيهقي : ليست من شأني ولا من خلقي.
(٣) بالأصل : والله إني يا رسول الله ، إني ...
(٤) بالأصل : الحسين ، تصحيف.