ومنهم من يصوّر المطلب ـ ثبوتاً ـ على أساس المقدّمة الموصلة ، وهو المحقّق العراقي (١) ، قال رحمهالله تعالى : إنه لمّا أمر المولى بالماء يأتي العبد بفردين من الماء حتى يختار المولى منهما ما أحبّ ، وهذا ليس تبديلاً للامتثال بالامتثال ، ولا الفرد بفردٍ آخر ، بل هو الإتيان بفردين مقدمةً لأنْ يختار المولى ما أحبَّ منهما ، وهذا ممكن ثبوتاً ، وأمّا إثباتاً فهو مقتضى الرّواية.
قال شيخنا : وفيه وجوه من النظر :
أوّلاً ـ إنه لا وجه لتنظير المقام بمسألة المقدّمة الموصلة ، فإنّ موردها ما إذا كان ذو المقدمة واجباً على العبد ، وله مقدمة موصلة واخرى غير موصلة ، أمّا هنا ، فإنّ الفرد الذي يختاره المولى غير قابل للإيجاب على العبد بقيد اختيار المولى ، لأنه بهذا القيد خارج عن اختيار العبد ، فكيف يكون واجباً عليه؟ ، فكبرى المقدمة الموصلة للواجب غير منطبقة هنا ، نعم ، يمكن أنْ يكون مقدمةً للغرض ، بأنْ يقال بإتيان العبد بفردين مقدمةً موصلةً لتحقق الغرض من الأمر ، فيكون الإتيان بالماء الموصل للغرض الأقصى هو الواجب ، لكنّ المقدمة الموصلة للغرض وجوبها نفسي ـ لأن كلَّ واجب فهو مقدمةٌ للغرض نفساً ، وإلاّ لزم أن تصير الواجبات النفسية كلّها غيرية ـ والواجب النفسي في الفردين واحد ، ولا يمكن كونهما معاً واجبين نفسيين.
إذن ، فالمقدّمة الموصلة للواجب غير معقول هنا ، وللغرض معقول ، لكنه واجب نفسي ، وإذا كان كذلك ، فأيّ الفردين هو الواجب نفساً؟ إن كان
__________________
(١) نهاية الأفكار ١ / ٢٢٥.