ولا بدَّ من البحث في جميع هذه الشقوق بمقتضى الأدلّة الأوليّة ، ثمّ بمقتضى الأدلّة الثانوية ، لنعرف حدّ دلالة الدليل الظاهري ، وأنّه إذا قام ـ مثلاً ـ على الطّهارة ، فهل يترتَّب عليه الأثر في ظرف الشك أو الجهل بالحكم الواقعي فقط ، بحيث يكون مجزياً إن لم ينكشف وقوع العمل على خلاف الواقع ، فلو انكشف ذلك وجب إعادته ، فهو محدود بهذا الحد ، أو أنه ليس بمحدودٍ به ، بمعنى أنه يكون مجزياً ولا تجب إعادته ، نعم ، يجب العمل طبق الواقع المنكشف من حين انكشافه في الصّلوات الآتية مثلاً؟
وعمدة الكلام هو مورد قيام الأصل أو القاعدة ، وقيام الأمارة ، على الموضوع أو الحكم ، ثم انكشاف الخلاف ، ولذا جعل صاحب (الكفاية) البحث أوّلاً : في قيام الأصل ، ثم في قيام الأمارة ، فقال ما حاصله :
لو قام الأصل على موضوع التكليف ليفيد تحقّق ما هو شرط التكليف أو جزء التكليف ، كقاعدة الطهارة أو قاعدة الحلّ أو استصحابهما في وجهٍ قوي (١) ، كان مجزياً عن الواقع ، فلو صلّى في ثوبٍ مشكوك الطهارة استناداً إلى القاعدة ، أو مشكوك في كونه حلالاً استناداً إلى أصالة الحلّ ، أو استصحابهما ـ في وجهٍ قوي ـ ثم انكشف نجاسة الثوب أو عدم حليّته ، فالصّلاة صحيحة مجزية عن الواقع ، لكنْ لا يصلّى فيه فيما بعد.
واستدلّ على الإجزاء هنا بحكومة الدليل القائم على الأصل والقاعدة على دليل الاشتراط ، يعني : إن قوله عليهالسلام : «كلّ شيء نظيف حتى تعلم
__________________
(١) قوله «في وجه قوى» إشارة إلى وجود الخلاف في الاستصحاب بأنه أصلٌ أو أمارةٌ ، وعلى الأوّل هل يفيد حكماً بعنوان جعل المماثل أو لا يفيد إلاّ المنجزية. فعلى أنه أصلٌ وجعل للحكم المماثل يدخل في البحث.