من القائلين بعدم التضاد بين الأحكام ، لكونها جميعاً وجودات اعتباريّة ، والتضاد من لوازم الامور الواقعيّة ، ولقد نصّ في الجمع بين الحكمين الظاهري والواقعي على أنْ لا تضاد بين الأحكام أنفسها ، بل التضادّ يكون إمّا بين مبادئ الأحكام وعللها ، أو بين المعلولات ، فهو إمّا في المبدا ـ أي مرحلة الملاك ـ وامّا في المنتهى ـ أي مرحلة الامتثال ـ ، وفيما نحن فيه لا يوجد التضاد أصلاً ، أمّا في المبدا ، فلأنّ النجاسة الواقعيّة ملاكها وجود المفسدة في نفس الموضوع ، والطّهارة الظاهرية ملاكها المصلحة في الجعل والاعتبار ، فلم تجتمع المصلحة والمفسدة في شيء واحدٍ فلا يلزم التضاد. وأمّا في المنتهى فكذلك ، لأنّه ما دام الشك موجوداً فالنجاسة الواقعية غير محرزة ، فلا يترتب عليها وجوب الاجتناب ، وإذا زال الشك فلا موضوع للحكم الظاهري ، ووجب الاجتناب الذي هو أثر النجاسة الواقعيّة.
إذن لا تضاد ، لا في مرحلة الملاك ، وفي مقام الامتثال.
وعليه ، فلا مانع من الحكم الظاهري في مقام العمل والامتثال ما دام موضوعه موجوداً.
نعم ، إنما يتم الدفاع على مبنى المحقق الخراساني القائل بوجود التضاد بين الأحكام أنفسها ، ويكون الإشكال عليه بما ذكر إشكالاً مبنائيّاً.
وفي (المحاضرات) (١) الإشكال عليه حلاًّ ، بعد النقض بما تقدَّم : إنّ قاعدتي الطّهارة والحليّة وإنْ كانتا تفيدان جعل الحكم الظاهري في مورد الشك في الواقع والجهل به ، من دون نظر إليه ، إلاّ أن ذلك مع المحافظة على
__________________
(١) محاضرات في أصول الفقه ٢ / ٢٥٥.