والوجوه التي ذكرها القوم في الجواب عن الدليل المذكور ، كلّها مبنائية :
لقد تقدَّم في محلّه أن معاني الحروف ليست بجزئيّة ، لا جزئية خارجيّة ولا جزئيّة ذهنيّة ، أما عدم كونها جزئيّة خارجيّة فواضح ، وأمّا عدم كونها جزئيّة ذهنيّة ، فلأنَّ الجزئيّة تكون باللّحاظ ، واللّحاظ يكون في الاستعمال ، ومعاني الحروف موطنها قبل الاستعمال.
وإذْ لا جزئيّة في معاني الحروف ، فالاستدلال يسقط.
لكن هذا الجواب مبنائي.
ليس المراد من الجزئيّة هي الجزئيّة الخارجيّة أو الذهنيّة ، بل المراد منها هي التعلّق والتقوّم بالطرفين ، والمعنى الحرفي في ذاته متقوّم بالطرفين ، والهيئة معنىً حرفي ، فمفادها النسبة البعثيّة ـ كما في «فصلِّ» في : «إذا زالت الشمس فصلّ» ـ وهذه النسبة ذات طرفين : المنسوب والمنسوب إليه ... وكما في «إن جاءك زيد فأكرمه» ... وإذا كان هذا معنى الجزئيّة ، فإنّ الجزئيّة بهذا المعنى تقبل التّضييق ، بأنْ يُزاد في الأطراف ، فتكون ثلاثة أو أربعة ... وهكذا.
إن حقيقة المعنى الحرفي هو التضييق في المعنى الاسمي ، كما تقدّم في
__________________
(١) كفاية الأصول : ٩٦.
(٢) نهاية الدراية ٢ / ٥٩.
(٣) محاضرات في أصول الفقه ٢ / ٣٢٠.