فبناءً على الأول : عند ما يتوجّه الإنسان إلى الصّلاة المشروطة مصلحتها بالزوال ، فهو بالفعل ذو شوق إلى الصّلاة حتى قبل الزوال ، لكنّ ظرف الصّلاة إنما هو بعده ، وكذا الحجّ على تقدير الاستطاعة ، فإن الشوق إليه موجود فعلاً ولا قيد له ، إلاّ أن الحج يكون بعد الاستطاعة ، وكذا الحال في الصّلاة والطهارة.
هو : إنه لا ريب في أنّ الإيجاب من الأفعال الاختياريّة ، والمفروض صدوره عن فاعل مختار ، فلا بدّ وأن تكون هناك مصلحة وملاك لهذا الوجوب كما عليه أهل العدل ، فإنْ كان للتقدير دخل في الملاك والمصلحة ، كان الوجوب هو المقيَّد والمشروط ، وإنْ لم يكن له دخل ، فالوجوب مطلق غير مشروط ... فالقيد راجع إلى الوجوب لا الواجب.
أمّا على مسلك الأشعري ، فلا بدَّ من تماميّة الغرض الذي لأجله يصدر الحكم ، فإنّ كان القيد دخيلاً فيه ، فتحقّقه بدونه مستحيل ، ومع عدم تحقّق الغرض يستحيل جعل الوجوب.
هذا تمام الكلام على رجوع القيد إلى الهيئة أو المادّة.
وقد تبيَّن أنّ المقتضي إثباتاً لرجوعه إلى الهيئة تام ، وأن ما ذكروه مانعاً عن ذلك في مقام الثبوت مندفع ... فالحق رجوعه إلى الهيئة.
ولا يخفى ما يترتب على هذا البحث من الثمرة ... فإنّه إن رجع إلى الهيئة ، لم يلزم تحصيل القيد ، بل يكون الوجوب ثابتاً كلّما تحقق القيد ، وأمّا إن رجع إلى المادّة ، فالوجوب مطلق ، ولا بدّ من تحصيل القيد ....