يقال في هذه الموارد : إنّ الصيغة مستعملة فيها في معناها الحقيقي وبداعي البعث والتحريك ، إلاّ أنّ موضوع التكليف مقيَّد ، فالتكليف وارد على الموضوع الخاص لا مطلق المكلَّف ، ففي مورد التعجيز يكون التكليف الحقيقي معلَّقاً على قدرة المكلَّف بناءً على ادّعائه ، فيقال له في الحقيقة : إنْ كنت قادراً على ذلك فأت به ، فحيث أنه لا يستطيع ذلك ولا يقدر عليه لا يكون مكلَّفاً ، لا بلحاظ عدم كون التكليف حقيقيّاً بل بلحاظ انكشاف عدم توفّر شرط التكليف فيه وعدم كونه مصداقاً لموضوع الحكم ، فموضوع الحكم هاهنا هو القادر لا مطلق المكلَّف ، وهكذا يقال في التهديد ...» (١) انتهى.
لكنّ منشأ هذا الإيراد هو الجمود على لفظ «الداعي» وأخذه بالمعنى الفلسفي ، وهو يندفع بإمكان أن يكون المراد من الداعي معنىً آخر غيره ، كما ذكر هو ـ دام ظله ـ في بحث شرطيّة القدرة للتّكليف (٢) من أن الشرط قد يطلق ويراد به معناه الفلسفي وهو العلة الغائية ، وقد يطلق ويراد به معنى غير ذلك ، وإنّ شرطية القدرة للتكليف ليس المقصود بها المعنى الفلسفي للشرطيّة ، بل المقصود بها المعنى الآخر ... بل لقد ذكر في معنى «الغرض» أنه قد يطلق ويراد منه ما يساوق العلّة الغائيّة ، وهو المعنى الاصطلاحي للغرض والداعي ، وقد يطلق ولا يراد منه هذا المعنى ، بل يراد منه معنىً عرفي يساوق المقصود.
ومن العجيب ذكره مثال الأكل من أجل الشبع هنا للدلالة على جواز
__________________
(١) منتقى الأصول ١ / ٣٩٧ ـ ٣٩٨.
(٢) منتقى الاصول ١ / ٤١٦ ـ ٤١٧.