والكلام الآن في مقام الثبوت.
وقد ذكرت وجوهٌ للمنع :
ما ذكره في (الكفاية) (١) عن بعض معاصريه وهو المحقق النهاوندي صاحب (تشريح الاصول) وينسب إلى المحقّق الفشاركي أيضاً : وملخّصه : إن الإرادة ـ سواء التكوينيّة أو التشريعيّة ـ لا يمكن أن تتعلّق بأمرٍ متأخّر ، فكما أنّ الإرادة التكوينية ـ وهي متعلقة بفعل المريد نفسه ـ لا تنفك عن المراد زماناً ، لأنها غير منفكة عن التحريك ، وهو لا ينفك عن الحركة خارجاً ، كذلك الإرادة التشريعيّة ـ وهي متعلقة بفعل الغير ـ لا تنفكّ عن الإيجاب زماناً ، وهو غير منفك عن تحريك العبد خارجاً ، ولازم ذلك استحالة تعلّق الإيجاب بأمر استقبالي ، لاستلزامه وقوع الانفكاك بين الإيجاب والتحريك ، وهو مستحيل ، وحيث أن القول بالواجب المعلّق يستلزم الانفكاك المذكور ، فهو محال.
وأجاب صاحب (الكفاية) عن هذا الوجه بجوابٍ ينحلُّ إلى ما يلي :
أوّلاً : إنّ الإرادة كما تتعلَّق بأمر حالي ، كذلك تتعلَّق بأمر استقبالي ، ضرورة أن تحمّل المشاقّ في تحصيل المقدّمات ، فيما إذا كان المقصد بعيد المسافة وكثير المئونة ، كالكون في مكّة ـ مثلاً ـ ليس إلاّ لأجل تعلّق الإرادة به ، وهو الباعث على تحمّل المشاق. وقولهم في تعريف الإرادة بأنّها الشّوق المؤكّد المحرّك للعضلات نحو المراد ، لا ينافي ذلك ، لأن كونه محرّكاً
__________________
(١) كفاية الاصول : ١٠٢.