للعضلات نحو المراد يختلف حسب اختلاف المراد من حيث القرب والبعد ، ومن حيث كونه محتاجاً إلى مئونة ومقدّمات قليلة أو كثيرة ، أو غير محتاج.
وثانياً : إنّه لا يشترط في الإرادة التحريك الفعلي للعضلات ، فقولهم كذلك في تعريف الإرادة ، إنما هو لبيان مرتبة الشوق ، إذ المراد قد يكون أمراً مستقبلاً غير محتاج فعلاً إلى تهيئة مئونة أو تمهيد مقدّمة.
وثالثاً : إنّ الإرادة التشريعيّة هي : البعثُ لإحداث الداعي للمكلَّف على المكلَّف به ، وهذا لا يكاد يتعلّق إلاّ بأمرٍ متأخرٍ عن زمان البعث ، لأنّ إحداث الداعي له لا يكون إلاّ بعد تصوّر المكلّف للمأمور به وما يترتّب على فعله وتركه ، ولا يكاد يكون هذا إلاّ بعد البعث بزمان ، فلا محالة يكون البعث نحو أمرٍ متأخرٍ عن البعث بالزمان.
وأورد الاستاذ على صاحب (الكفاية) بأنّ الإرادة ـ سواء كانت بمعنى الاختيار أو بمعنى الشّوق الأكيد ... ـ لا تنفك عن المراد ، والمورد الذي ذكره لا إرادة فيه نحو المقصود ، فالقاصد للكون في مكة والمتحرّك الآن نحوها ، لا إرادة له بالنسبة إلى مكّة ، لأنّ تلك الإرادة هي الكون بمكة. وقوله : بأنّه لو لا الإرادة لذي المقدّمة لم تحصل الإرادة للمقدّمة ، ففيه : أنّه لا برهان على نشوء الإرادة بالمقدّمة عن الإرادة لذي المقدّمة ، بل البرهان قائم على الخلاف ، لأنّ إرادة المقدّمة موقوفة على تحقّق المقدّمة قبل ذي المقدّمة ، وتحقّق ذي المقدّمة بدون المقدّمة محال ، فكيف تنشأ الإرادة للمقدّمة من إرادة ذي المقدّمة؟
وأمّا قوله بضرورة الانفكاك في الإرادة التشريعيّة ، فسيأتي الكلام عليه