ولو لا الإمكان لما قالوا بذلك ... فالوجوب الشرعي بالنسبة إلى المقدّمات المفوّتة ـ مع وجود حكم العقل ـ لا لغويّة فيه ، لأنّ منشأ الأمر أعم من جعل مصحّح العقاب ، ولكنّ هذا الإمكان لا يكفي للوقوع ، بل لا بدّ من الدليل ، فالحق : إنه ممكن ، ولكنْ لا يوجد كاشف عن هذا الوجوب ، إذ الكاشف إمّا شرعي وامّا عقلي ، أمّا الأوّل ، فلا يوجد دليل من الشرع على وجوب المقدّمات المفوّتة ، وأمّا الثاني ، فلأنّ الملازمة لم تتم.
وتلخّص : إن المقدّمات المفوّتة واجبة بالوجوب الشرعي الغيري بناءً على القول بالواجب المعلّق ثبوتاً وقيام الدليل إثباتاً ، بمناط اللاّبدية العقليّة في كلّ مورد يكون ذو المقدّمة واجباً ، وأمّا بناءً على القول بعدم ثبوت الواجب المعلّق أو استحالته ، فالمقدّمات المذكورة واجبة ـ تحصيلاً وحفظاً ـ عن طريق لزوم حفظ الغرض ، وهو حكم عقلي غير مستتبع للحكم الشرعي ، من جهة عدم تماميّة مقام الإثبات ... وما تقدّم من القولين خلط بين المحذور في مقام الثبوت وعدم المقتضي في عالم الإثبات.
هذا ، وهناك وجوه اخرى للقول بوجوب المقدّمة المفوتة غير التعلّم :
أحدها : القول بوجوب المقدمات بنحو الوجوب المشروط بالشرط المتأخّر ، وبه قال المحقّق الخراساني والسيد البروجردي (١).
وفيه : إنّ الواجب المعلّق ليس إلاّ الوجوب المشروط بالشرط المتأخّر ، فكلّ واجب عُلّق فيه الوجوب بشرطٍ متأخّر ـ وهو الزمان الآتي ـ فهو واجب معلّق. فهذا الوجه ليس إلاّ الالتزام بالواجب المعلّق.
__________________
(١) كفاية الأصول : ٩٩ ، نهاية الأصول : ١٦٦.