وحاصله : إن ما هو المتقدّم طبعاً غير ما هو المتأخّر طبعاً ، وتوضيحه :
إنّ الأمر لا يكون داعياً بوجوده الخارجي أبداً ، والداعويّة منه محال ، إذ الداعي لا بدّ وأن يكون مؤثّراً في إرادة العبد كي يتحرّك نحو الامتثال ، ولا يكون كذلك إلاّ إذا حصل الداعي في وعاء النفس ، والوجود الخارجي لا يأتي إلى عالم النفس حتى يؤثّر في الإرادة ، بل المؤثّر فيها هو الوجود العلمي للشيء ، فإذا علم الإنسان بوجود الماء ـ وهو عطشان ـ تحرّك نحوه ، وأمّا إذا كان بجنبه وهو لا يعلم به فلا يتحرّك إليه ، فالمؤثر في الإرادة ويكون له داعويّة هو الوجود العلمي لا الخارجي.
وعليه ، فالداعويّة هي شأن الوجود العلمي للأمر ، ولا تتحقّق الصّلاة بقصد الأمر إلاّ من ناحية الأمر الموجود بالوجود الذهني ، فالأمر الذي اخذ في المتعلَّق ووجب على المكلَّف قصده هو الأمر العلمي ... بخلاف الأمر الذي يصدر من المولى متعلِّقاً بالصّلاة مثلاً ، فإنه أمر بوجوده الخارجي الواقعي.
فالوجود الخارجي للأمر هو المتعلِّق بالصّلاة ، والذي جاء قيداً للصّلاة ووجب قصده هو الوجود العلمي للأمر ، فاندفع اشكال اجتماع المتقدّم والمتأخّر ، لأن المتقدّم غير المتأخّر ، وليس بينهما تقدّم وتأخّر طبعي.
وأشكل عليه شيخنا دام بقاه ـ تبعاً للمحقق العراقي (١) ـ : بأنه غير رافع للإشكال ، لأنه إن كان المأخوذ في متعلَّق الأمر ـ وهو الصّلاة ـ هو الصّورة العلميّة للأمر مطلقاً ، أي وإنْ لم تكن الصورة العلميّة مطابقة للواقع ، بأن يكون جهلاً مركَّباً ، فما ذكره تام ... لأن الأمر بوجوده الخارجي ـ وهو حكم المولى
__________________
(١) بدائع الأفكار ١ / ٢٢٩.