تلك محاسبات عقليّة واجتماعيّة من واقع المجتمع الإسلاميّ الأوّل ، تدلّنا على أنّ الحقّ في مسألة القيادة في المجتمع الإسلاميّ بعد وفاة الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم هو أن يستخلف صلىاللهعليهوآلهوسلم ( قائداً ) للاُمّة ، وراعياً لمصالحها وشؤونها ، لما في نفس التنصيب من مصلحة وقطع دابر الاختلاف.
فمثل هذه المحاسبات ، تمنع القائد الحكيم أن يترك الاُمّة من بعده من دون أن يعيّن لها قيادةً تحافظ على الكيان الإسلاميّ الناشيء من الأخطار المحدقة به ، وتقود الاُمّة الإسلاميّة الفتية في الطريق الشائك إلى الهدف المرسوم لها ، والغاية المطلوبة.
إنّ القائد الحكيم ، والرئيس المحنّك هو من يعتبر بالأوضاع الاجتماعيّة لاُمّتة والظروف المحيطة بها ، ويأخذ بنظر الاعتبار ما يمكن أنّ يحدث لها جرّاء غيبته ووفاته ، ثمّ يرسم على ضوء تلك الظروف والأحوال ، والتوقّعات والمحاسبات ما يراه صالحاً للاُمّة ولمستقبلها ، وأهم تلك الاُمور هو تعيين القائد لها ، والمدير لشؤونها من بعده.
إنّ أوضاع المسلمين آنذاك ، والظروف الحرجة المحيطة بهم ، كانت تقتضي أن لا يدع النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم تلك الاُمّة الحديثة العهد بالإسلام وتلك الدولة الفتية الجديدة البنيان ، لآراء الاُمّة وإرادتها لتختار هي بنفسها قائدها ورئيسها ، وهي في خضمّ تلك الأخطار ، والظروف الحسّاسة البالغة الخطورة ، إذ ربمّا كانت تبتلي ـ في ذلك الأمر ـ بالخلاف الذريع ، والفرقة الكبيرة ، فتسهل للخصم سبيل السيطرة عليها وتمكّنه من مؤامراته ونواياه.
إنّ عدم بلوغ الاُمّة الإسلاميّة حدّ الاكتفاء الذاتيّ في القيادة والادارة ، مع الأخذ بنظر الاعتبار الأخطار التي كانت تحدق بها ، والرواسب القبليّة الجاهليّة ، وعدم قدرتها على التغلّب على كلّ ذلك لوحدها ، كانت توجب على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بحكم العقل السليم ، أن ينصّب للاُمّة قائداً يدبّر شؤونها ويجمع شتاتها ويحافظ على وحدتها ، ويقود سفينتها إلى شاطيء الأمن والدعة والسلام.