الصحابة مستوعبين لكلّ أحكام الشريعة وأبعادها ، لأجابوا عليها دون تحيّر أو تردد. ولأصابوا فيما أجابوا. وهذا يدل بصراحة لا إبهام فيها ، على أنّ الاُمّة كانت بحاجة شديدة إلى إمام عارف بأحكام الإسلام معرفةً كافيةً كاملةً وحامل لنفس الكفاءات والمؤهلات النفسيّة والفكريّة التي كان يتحلّى بها الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم ( فيما عدا مقام الوحي والنبوة ) ، إذ بهذه الصورة فحسب ، كان من الممكن أن يلي النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ويخلفه في قيادة الاُمّة ويسد مسدّه ، من حل معضلاتها ، ومعالجة مشاكلها التشريعية والفكريّة المستجدّة ، دون أن يحدث له ما حدث للصحابة من العجز والارتباك ، ومن التحيّر والمفاجأة ـ كما عرفت ـ.
وإليك بقية الأوجه التي تدلّ على هذا الادّعاء المدعم بالدليل :
* * *
لم يكن القرآن الكريم حديثاً عاديّاً ، وعلى نسق واحد ، بل فيه : المحكم والمتشابه والعامّ ، والخاصّ ، والمطلق والمقيّد ، والمنسوخ والناسخ ، مما يجب على المسلمين أن يعرفوها جيداً ليتسنّى لهم أن يدركوا مقاصد الكتاب العزيز ومفاداته (١).
ثمّ لمّا كان هذا الكتاب الإلهيّ ، جارياً في حديثه مجرى كلام العرب وسائراً على نهجهم في البلاغة وطرقها ... فإنّ الوقوف على معانيه ورموزه ولطائفه كان يتوقف على معرفة كاملة بكلامهم وبلاغتهم.
أضف إلى كل ذلك ، أنّ القرآن إذ كان كتاباً إلهياً حاوياً لأدقّ المعارف وأرفعها
__________________
(١) ولقد أشار الإمام عليّ عليهالسلام إلى هذه الاُمور بقوله :
« خلّف ( أي النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ) ... فيكم كتاب ربّكم ، مبيّناً حلاله وحرامه وفرائضه وفضائله ، وناسخه ومنسوخه ورخصه وعزائمه وخاصّه وعامّه وعبره وأمثاله ، ومرسله ومحدوده ومحكمه ومتشابهه ، مفسّراً مجمله ومبيّناً غوامضه » نهج البلاغة : الخطبة رقم (١).