وتسمعون به وينطق بعضه ببعض » (١).
لأجبنا : صحيح أنّ القرآن الكريم يصف نفسه بما ذكر ، ولكنّه يصف نفسه أيضاً بأنّه نزل حتى يبيّنه الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم للناس إذ يقول تعالى : ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ) ( النحل : ٤٤ ). ( وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ ) ( النحل : ٦٤ ).
فقد وصف النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في هاتين الآيتين ، بأنّه مبيّن لما في الكتاب لا قارئ فقط.
فكم من فرق بين القراءة والتبيين ؟.
بل يذكر القرآن الكريم بأنّ بيان القرآن عليه سبحانه ، فهو يبيّن للرسول والرسول يبيّن للناس ، كما يقول سبحانه : ( لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ) ( القيامة : ١٦ ـ ١٩ ).
إنّ وجود هاتين الطائفتين من الآيات في القرآن ، يكشف لنا عن أنّ القرآن رغم وضوحه من حيث اللفظ والمعنى والظواهر ، ورغم أنّه منزّه عن الشباهة بكتب الألغاز والأحاجي إذ أنّه كتاب تربية وتزكية وهداية عامّة ، فإنّه يحتاج إلى ( مبيّن ) ومفسّر لعدّة أسباب :
أوّلاً : وجود المجملات في أحكام العبادات والمعاملات الواردة في آياته.
ثانياً : كون آياته ذات أبعاد وبطون متعددة.
ثالثاً : ، غياب القرائن الحاليّة التي كانت آياته محفوفة بها حين النزول ، وكانت معلومةً للمخاطبين بها في ذلك الوقت.
كلّ هذه الاُمور توجب أن يراجع من يريد فهم الكتاب مصادر تشرح هذه الأمور ، وإليك مفصل هذا القول فيما يأتي :
أوّلاً : إنّ القرآن كما ذكرنا ليس كتاباً عادياً ، بل هو كتاب إلهيّ اُنزل للتربية
__________________
(١) نهج البلاغة : الخطبة ١٢٩ ( طبعة عبده ).