للقيام بهذه المهمة الخطيرة ، فيما يأتي من الزمان ، ولمن يأتي من الأفراد والجماعات.
ثالثاً : لقد نزل القرآن الكريم بالتدريج في مناسبات مختلفة كانت تستدعي نزول آيات من الوحي الإلهيّ المقدسّ ... ولذلك ، فقد كان القرآن ـ في عصر تنزّله ـ محفوفاً بالقرائن التي كانت تبيّن مقاصده ، وتعيّن على فهم أهدافه وغاياته.
ولهذا فإنّ القرآن وإن كان مبيّناً في حين نزوله بيد أنّ مرور الزمن ، وبعد الناس عن عهد نزوله ، وانفصال القرائن الحالية عن الآيات صيّر القرآن ذا وجوه وجعل آياته ذات احتمالات عديدة ، لغياب علل النزول وأسبابه التي كانت قرائن حاليّة من شأنها أن توضّح مقاصد الكتاب وتفسر عن غاياته.
وهذا أمر يعرفه كلّ من له إلمام بالقرآن الكريم ، وتاريخه ، وعلومه.
ولأجل ذلك ، يطلب الإمام عليّ عليهالسلام من ابن عباس عندما بعثه للمحاجّة مع الخوارج أن لا يحاججهم بالقرآن ، لأنّه أصبح ذا وجوه إذ يقول عليهالسلام : « لا تخاصمهم بالقرآن ، فإنّ القرآن حمّال ذو وجوه تقول ويقولون. ولكن حاججهم بالسنّة فإنهم لم يجدوا عنها محيصاً » (١).
وإليك نماذج من الاختلاف الموجود في هذه الآيات بين الاُمّة ، ولا يمكن رفع هذا الاختلاف إلاّ بإمام معصوم تعتمد عليه الاُمّة ، وتعتبر قوله قول النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم.
١. قال سبحانه في آية الوضوء : ( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) ( المائدة : ٦ ).
وقد تضاربت الآراء في فهم هذه الآية ، وصارت الاُمّة إلى قولين :
فمن عاطف لفظ ( أَرْجُلَكُمْ ) على الرؤوس فيحكم على الأرجل بالمسح.
ومن عاطف له على الأيدي فيحكم على الأرجل بالغسل.
ومن المعلوم ، أنّ إعراب القرآن الكريم إنّما حدث بعد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم.
__________________
(١) نهج البلاغة : الرسالة (٧٧).