اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ المُفْسِدِينَ ) ( الاعراف : ١٤٢ ).
فإذا كان هذا هو المتّبع عند الامم السالفة في مسألة القيادة والخلافة بعد الانبياء ، وكان ذلك أمراً متكرراً ومتعارفاً بينهم ، فالانصراف عن تلك الطريقة والإعراض عنها في الإسلام يحتاج إلى التصريح والبيان.
ومن طالع الكتاب والسنّة بتتبّع وتوسّع ، لا يجد أي دليل يدلّ على ما يخالف هذه الطريقة ولا أي صارف عن الأخذ بها ، بل يجد في ذينك المصدرين العظيمين المقدسين ما يدلّ على أنّ كلّ ما جرى على الامم السابقة يجري على هذه الاُمّة إلاّ ما استثني ، وهو مبيّن.
ويدل على ذلك بصراحة لا تقبل جدلاً ما روي عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : « كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلّما هلك نبيّ خلفه نبيّ ، وإنّه لا نبيّ بعدي وسيكون خلفاء » (١).
وبما أنّ التلازم بين النبوّة والاستخلاف ممّا تقتضيه طبيعة الحياة الاجتماعيّة وتؤكّده حياة الامم السالفة كما ذكرنا لك ، لهذا نجد أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بمجرد أنّ يصدع بنبوّته ، يواجه الناس بمسألة الخلافة من بعده ويشير إلى الخليفة الذي سيخلفه ، والوصيّ الذي سيلي مهمّاته ومهامّه بعد وفاته ..
وهذا يدلّ على أنّ النبوة والاستخلاف ( وتعيين الخليفة بالوصاية ) متلازمان لا ينفصلان وتوأمان لا يفترقان ..
وإليك ما جرى في يوم الدار المعروف ، وهو يثبت ما قلناه :
أخرج الطبريّ في تاريخه عن عبد الله بن عبّاس عن علي بن أبي طالب قال : « لمّا
__________________
(١) أخرجه البخاري ومسلم كما في جامع الاُصول لابن الاثير الجزريّ ٤ : ٤٨.