يحتوي الكتاب والسنّة وسيرة المسلمين العمليّة على أدلّة كثيرة تدلّ على أنّ للاُمّة أن تنتخب حكامها ورؤساءها وفق الضوابط والمعايير الإسلاميّة ، وهي إلى جانب دلالتها على هذا الأمر ، وإثباتها هذا الحقّ للاُمّة ، تكشف عن طبيعة ( الحكومة الإسلاميّة ) ومنطلقاتها ومبادئها الإلهيّة التي تميّزها عن غيرها من أنظمة الحكم المعمول بها في التاريخ أو الرائجة في العالم المعاصر.
وإليك هذه الأدلّة :
تصرّح بعض الآيات القرآنيّة ، بأنّ الله تعالى استخلف الإنسان في الأرض ، فهو إذن (خليفة الله ) فيها من غير فرق بين آدم وأبنائه إلى يوم القيامة ، غير أنّ تلك الخلافة قد تجسّدت في ذلك الوقت في آدم ، حيث يقول الله تعالى : ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ... ) ( البقرة : ٣٠ ).
وهذه الآية والآيات التي ستمرّ عليك ، تدلّ بوضوح كامل على أنّ الخلافة لم تكن منحصرة في فرد واحد من النوع الإنسانيّ وهو آدم عليهالسلام بل هي تشمل جميع أبناء البشريّة ، بدليل أنّه بعد ما قال سبحانه : ( إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ) سأل الملائكة بقولهم : ( أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ ) مظهرين بذلك ، أنّ الخليفة المزمع استخلافه في الأرض سيركب الفساد ويسفك الدماء ، ومن المعلوم ، أنّ هذا العمل لم يكن صادراً من الإنسان الشخصيّ المتمثّل في آدم عليهالسلام بل من أبنائه وأبناء أبنائه ، الذين طالما اقترفوا الذنوب وارتكبوا المعاصي ، وأخبر القرآن
__________________
(١) إنّ الأدلّة التي ستمر عليك في الصفحات القادمة تتكفّل بيان أمرين : أحدهما ضمنيّ والآخر استقلاليّ ، فهي مضافاً إلى أنّها تبيّن صيغة الحكومة في العصور الحاضرة تبيّن لزوم إقامة الدولة وتشكيل السلطة في إطار الضوابط الإلهيّة.