وصفوة القول : أنّ كون الإنسان خليفة الله في أرضه مضافاً إلى كونه ممثلاً بصفاته ، صفات المستخلف له ـ بمقدار ما يمكن ـ وممثّلاً بكماله وقدرته وعلمه ، كماله وقدرته وعلمه تعالى ، يعني أيضاً كون الخليفة ذات مسؤوليات من جانب مخلِّفه ، كمسؤوليّة الوكيل عن جانب موكِّله في مجتمعه ، ومن المسؤوليات الموجّه إلى الإنسان من جانب ربّه ـ بهذا الاستخلاف ـ هو القيام بتدبير شؤون نفسه ، وشؤون مجتمعه بممارسة القيادة لذلك المجتمع ومزاولة الحكومة والولاية خلافة عن الله.
إذن فللناس أن يزاولوا الحاكميّة في الأرض بالخلافة والنيابة عن الله ... ولكن من البيّن أنّ هذا لا يتحقّق إلاّ بتقسيم المسؤوليات في عامّة المجالات الحكوميّة ، حتّى تتفرّغ جماعة لإدارة شؤون المجتمع الإنسانيّ ، وسياسته.
وعلى هذا الأساس تقوم فكرة سيادة الاُمّة في منطق الإسلام ، وتتّجه شرعيّة ممارسة الجماعة البشريّة للولاية والحاكميّة على نفسها وبالتالي يبتنى عليه مبدأ الانتخاب الشعبيّ للحكّام في النظام الإسلاميّ السياسيّ.
* * *
وتترتّب على هذه السيادة والولاية الشعبيّة المنبثقة عن الاستخلاف الإلهيّ للإنسان اُمور :
أوّلاً : انتماء الجماعة البشريّة الواحدة إلى محور واحد ، وهو ( المستخلف الواحد ) الذي استخلفها على الأرض ، بدلاً عن كلّ الانتماءات الاخرى ، وما يتبع ذلك من الإيمان بسيد واحد ، ومالك واحد للكون ، وما فيه.
ويشير القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة العليا في الآية التالية ، لكن استفادتها تحتاج إلى ذوق خاصّ ، قال سبحانه : ( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً ) ( الزمر : ٢٩ ).