إنّ من أبرز مسلّمات الفقه الإسلاميّ هو قاعدة ( سلطة الإنسان على ماله ) التي هي مفاد قول الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم : « الناس مسلطون على أموالهم » (١).
فإذا كان الناس مسلّطين على أموالهم بحيث لا يجوز لأحد أن يتصرف فيها إلاّ بإذن أصحابها ، فهم ـ بطريق أولى ـ مسلّطون على أنفسهم ، فلا يجوز لأحد أن يحدّد حرياتهم ، ويحمل نفسه عليهم أو يتصرّف في مقدّراتهم وشؤونهم دون إذنهم.
هذا من جانب.
ومن جانب آخر نرى ؛ أنّ إقرار النظام يستلزم بالضرورة تصرّفاً في أموال الناس ونفوسهم وتحديداً لحرياتهم المشروعة بالذات ، فإنّ الجمع بين هذين الأمرين ( سلطة الناس على أموالهم وأنفسهم ، واستلزام أقرار النظام ، التصرّف في تلك الأموال والنفوس ) ، هو بأن تكون الدولة التي تقيم النظام نابعةً من انتخاب الاُمّة ، أو موضع رضاها على الأقلّ.
وبعبارة أوضح : إنّ سيادة أي نظام على الناس لا تخلو من السلطة على أموالهم وأرواحهم والتصرّف فيها بالضرورة لأنّ من النظام أخذ الضرائب ، وتنظيم الصادرات والواردات وتحديدها ، وذلك بوضع القيود اللازمة عليها ، وتنظيم الحريات والعلاقات
__________________
(١) مبدأ البرهان في هذا الدليل هو القاعدة المسلّمة بين الفقهاء وهي ( الناس مسلّطون على أموالهم ) وقلنا : إذا كان الناس مسلّطين على أموالهم فبالأولى أن يكونوا مسلّطين على نفوسهم.
غير أنّه يجب التنبيه على نكتة وهي أنّ الأولوية في الجانب السلبيّ لا الجانب الإيجابيّ.
والمقصود من الجانب السلبيّ أنّه إذا كان للأنسان أن يردّ الغير عن التصرّف في ماله فبالأولى يكون له ردُّ الغير عن التصرّف في نفسه ، إذ جواز الردّ في جانب الأموال يستلزم جوازه في جانب النفس بطريق أولى.
وأمّا الجانب الإيجابيّ فليست هناك أيّة ملازمة والمراد منه هو أنّه إذا جاز للرجل أن يتصرّف في ماله فبالأولى له أن يتصرّف في نفسه ، ومن المعلوم بطلان هذه الملازمة.