إنّ النظر العميق في فريضة ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) وأحكامهما ومسائلهما ، وشروطهما يقضي بأنّ الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر هم ( السلطة التنفيذيّة ) التي تقع على عاتقها مهمّة إجراء الأحكام ، وتنفيذها وصيانتها في المجتمع الإسلاميّ. ولابدّ ـ قبل إثبات هذا الأمر ـ من تقديم مقدّمة حول هذه الفريضة الإسلاميّة العظمى فنقول : تعتبر وظيفة ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) أصلاً مبتكراً ، وفريضةً بديعةً جاء بها الإسلام وهي ممّا لم يعهد لها نظير في الأنظمة الوضعيّة البشريّة فقد فرض الدين الإسلاميّ ـ بموجب هذه الفريضة ـ على أتباعه أن ينشروا الخير والمعروف بين الناس ، ويزجروا عن الشرّ والمنكر ، ولا يكونوا متفرّجين أو ساكتين اتّجاه ما يجري في المجتمع ويقع من إظهار المنكر أو تضييع للمعروف.
ولقد انطلق الإسلام ـ في إيجابه لهذه الفريضة العظيمة ـ من حقيقة اجتماعيّة مسلّمة وهي : أنّ أعضاء المجتمع الواحد الذين يعيشون في بيئة واحدة ، مشتركون في المصير ... فلو كان هناك خير لعمّ الجميع ولم يقتصر على فاعله ، ولو كان هناك شرّ لشمل الجميع أيضاً ولم يختصّ بمرتكبه. ومن هناك يجب أن تتحدّد تصرّفات الأفراد في هذا المجتمع ، وتتحدّد حريّاتهم بمصالح الاُمّة ، ولا تتخطّاها.
ولقد شبّه الرسول الأكرم وحدة المصير للمجتمع الواحد بأحسن تشبيه حيث مثّل أفراد المجتمع بركاب سفينة في عرض البحر ، إذا تهددها خطر تهدّد الجميع ولم يختصّ بأحد دون أحد ... ولذلك لا يجوز لأحد ركّابها أن يثقب موضع قدمه بحجّة أنّه مكان يختصّ به. ولا يرتبط بالآخرين ، لأنّ ضرر هذا العمل يعود إلى الجميع ... ولا يعود إليه خاصّةً. وهذا هو أفضل تشبيه لاشتراك المجتمع الواحد في المصير ، والمسير (١).
كما أنّه لو أصيب أحد أفراد المجتمع بالوباء لم يجز له أن يتجوّل في البلاد بحجّة
__________________
(١) راجع روض الجنان للشيخ أبي الفتوح الرازيّ.