تصدّق كاذباً واذكر ربّك عند كُلّ شجر وحجر واحدث لكلّ ذنب توبةً ، السرّ بالسرّ والعلانية بالعلانية.
يا معاذ لولا أنّني أرى ألاّ نلتقي إلى يوم القيامة لقصّرتُ في الوصيّة ولكنّني أرى أنّنا لا نلتقي أبداً ..
ثمّ أعلم يا معاذ إنّ أحبّكُم إليّ من يلقاني على مثل الحال التّي فارقني عليها » (١).
وبعث رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عمرو بن حزم إلى بني الحارث وجعله والياً عليهم ليفقّههم في الدين ، ويعلّمهم السنُّة ومعالم الإسلام ويأخذ منهم الصدقات وكتب له كتاباً عهد إليه فيه عهده وأمره فيه بأمره : « بسم الله الرّحمن الرّحيم ، هذا بيان من الله ورسوله ، يا أيّها الذين آمنوا أوفوا بالعقُود ، عهد من محمّد النّبي رسول الله لعمرو بن حزم حين بعثهُ إلى اليمن أمرهُ بتقوى الله في أمره كُلّه ، فإنّ الله مع الّذين اتّقوا ، والّذين هم محسنون.
وأمره أن يأخذ بالحقّ كما أمره الله وأن يبشّر النّاس بالخير ، ويأمرهم به ، ويعلّم النّاس القرآن ويفقّههم فيه ، وينهى النّاس فلا يمس القران إنسان إلاّ وهو طاهر ويخبر النّاس بالذي لهم والذي عليهم ويلين للنّاس في الحقّ ويشتدّ عليهم في الظّلم فإنّ الله كره الظّلم ونهى عنه ، فقال : ( أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ) ( هود : ١٨ ) ويبشر النّاس بالجنّة وبعملها وينذر النّاس النّار وعملها ويستألف النّاس حتّى يفقهوا في الدّين ويعلّم النّاس معالم الحجّ وسنّته وفريضته ، وما أمر الله به ، والحجّ الأكبر : الحجّ الأكبر والحجّ الأصغر هُو العُمرة ... إلى آخر العهد ... » (٢).
ومن هذين العهدين ، ونظائرهما ، يتبيّن لنا أنّ النبيّ كان يعهد بعض السلطات والمسؤوليّات إلى من يراه صالحاً من المسلمين ليقوموا بإدارة بعض أنحاء البلاد ، ويزوّدهم ببرامج وأنظمة للحكم والعمل السياسيّ والإداريّ ، ممّا يكشف عن وجود صورة مصغّرة عن السلطة التنفيذيّة إلى جانب الحاكم الأعلى للبلاد.
وقد كان له صلىاللهعليهوآلهوسلم عمّال للبريد ، وله تعليمات خاصّة لهم في هذا الشأن ومن ذلك
__________________
(١) تحف العقول : ٢٥ ـ ٢٦.
(٢) سيرة ابن هشام ٤ : ٥٩٥.