لم يزل المجتمع البشريّ ـ منذ تكوّنه وانضمام فرد إلى فرد آخر ـ تلازم حياته التشاجر والاختلاف والتنازع بين أفراده ، وقد شهد بذلك التاريخ ، وبرهنت عليه الوقائع المحسوسة ، ثمّ إنّ هذا الاختلاف لا ينشأ ـ غالباً ـ إلاّ من أمرين :
١. الحرص الشديد على جلب الأموال والمنافع والحقوق ، الذي يلازم البعد عن المعنويّات والمثل الإنسانيّة ، فإنّ حرص كلّ واحد من أفراد النوع الإنسانيّ على أن يجلب المنافع العاجلة العابرة لنفسه ينسيه الجوانب المعنويّة والمثل النبيلة وذلك بدوره يجرّ إلى التعدّي على مصالح الآخرين وحقوقهم ومنافعهم حيث لا إيمان يردع عن ذلك ، ولا مكارم أخلاق تحدّ من تلك النزعة الجامحة.
٢. الاختلاف في تشخيص الحقّ ، فربّما يتنازع فردان لا للحرص الشديد بل للاختلاف في تشخيص ( الحقّ ) فكلّ واحد منهما يعتقد ـ اعتقاداً جازماً ـ بأنّ الحقّ هو ما يراه دون غيره.
وربّما يبلغ الطرفان المختلفان المتنازعان ـ مع ذلك ـ أقصى درجات التقوى وحسن النية والفضيلة ، ولكن جهلهما بالحقّ دفعهما إلى ذلك الاختلاف والتنازع ، ولا ريب أنّ بقاء الاختلاف في المجتمع يشكّل خطراً كبيراً على أمنه واستقراره وسلامته ؛ إذ قد يؤدي إلى العدوان ، وتأجّج نيران البغضاء والضغينة بين المتخاصمين المختلفين ، وربما اُريقت ـ في هذا السبيل ـ دماء كثيرة. واُهدرت أموال طائلة ، وضاعت أغراض شريفة ليس إلاّ لاُمور حقيرة لا تستأهل كل تلك التبعات والعواقب. ومن أجل ذلك حثّ القرآن الكريم على سدّ باب الاختلاف وقطع دابره من الجذور وحثّ المسلمين على الإصلاح بين المتنازعين إذ قال : ( وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ) ( الأنفال : ١ ).
وقال الإمام عليّ بن أبي طالب عليهالسلام نقلاً عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه كان يقول :